عالمٌ بلا إنترنت
عالمٌ بلا إنترنت
لم تستمتع البشرية بالتكنولوجيا التي نراها اليوم منذ الآلاف السنين وعاشت معظم حياتها بعيدًا عن كل هذا التطور. ولم يتوقف سعي الانسان منذ ظهوره على ظهر هذه البسيطة في ايجاد الراحة من خلال ابتكار الادوات. ومع تطبيق التكنولوجيا اليوم نستطيع تنفيذ العمليات المعقدة بسهولة وفي أقل وقت ممكن؛ بدأ من اولى الآلات التي سهلت حياة البشرية الي يومنا من خلال الشبكة العنكبوتية او ما يعرف بالأنترنت وقد تم اعتمادها بشكل كبير لدرجة لا يمكن تصورها. ما سبق ذكره في هذه المقدمة البسيطة وما نراه من تقدم اليوم يدفعنا للتفكير فيما كانت عليه الحياة قبل هذا التطور، وكيف تطورت التكنولوجيا وتدخلت في جميع جوانب الحياة حتى الآن، وإلى أي مدى يمكن أن تتطور أكثر من ذلك، وما تأثير التكنولوجيا على حياتنا، وما هو التأثير المتوقع لها على مستقبلنا.
وانت تراسل احدهم او تشاهد فلما او تعمل على الانترنت في يومك كما هي العادة فهل لك ان تتصور الانقطاع آنذاك هذا محتمل طبعا والجميع متعود على ركاكة الانترنت وخاصة في بلداننا الا انه لا يمكننا ان نتصور ان لا يعود الى العمل ولهذا الامر تداعيات كبيرة وغير المتوقعة، فكيف ستفكر؟ كم أمراً كنت تعتزم القيام به وبت لا تستطيع إنجازه؟ آلاف من الأسئلة ستجتاح البشرية و ستتوقف أسواق العمل والمال فهل يمكن تخيل العالم بلا إنترنت؟ دعونا نحاول استكشاف كل المظاهر المتصلة بذلك.
في الوقت الحاضر، تعتمد كل الاعمال على الانترنت اعتمادا يمكن اعتباره اعمى وكمثال بسيط هو اتصال ثلاجة المطبخ بالسوبرماركت في الحي عبر تقنية الواي فاي والانترنت ومن خلال الأوامر التي حددتها انت لهذه الثلاجة فأنها ترسل طلبات الى البقالة الموجودة لتتم إعادة تعبئتها بمختلف أصناف الأطعمة المحددة من قبلك. بما معناه انه في القريب العاجل لن يتم إنجاز شيء بدون الإنترنت؛ وتلك الأشياء تتنوع من العمل، والبحث، والدراسة، إلى صناعة الأفلام، وتسجيل الموسيقى، وخلق مجموعة لا نهائية من وسائل التعليم بالإضافة الى كافة الوسائل الترفيهية. ولكن، هل يمكن أن يشكل ذلك الاعتماد الأعمى تهديدًا؟ هل يمكن أن يصبح هذا العالم الضخم، الذي ندعوه بالإنترنت، مجرد شيئًا عابرًا في تاريخ البشرية كما كانت الآلات البسيطة قديما؟
معظم الناس يعيشون حياتهم معتمدين على الانترنت وكأنه لن يختفي او هم غير متصورين بانه سينتهي يوما ما. وأولئك الذين ولدوا في القرن العشرين قد شهدوا تطورًا كبيرًا ومتسارعًا طرأ على التكنولوجيا والإنترنت. وبالتالي يعرفون جيدًا معنى الحياة بالإنترنت وبدونها، ويمكنهم على الأرجح التعامل مع بعضهم في غياب هذا الواقع الافتراضي، إلا أن الأجيال الشابة تعتمد على الإنترنت بشكل يومي، وخاصة في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي. فمن الواضح أنه يتم الاعتماد على الإنترنت بصورة كلية؛ إلا أن الإنترنت عرضة للخطر.
هناك عدة طرق لتوقف الإنترنت في العالم فبالرغم من كامل الهالة الافتراضية الموجودة والتي نسميها الانترنت فانها دائما امام امتحان السقوط بشكل هائل ومفاجئ ولأسباب بسيطة وصغيرة جدا كفيروس وهو برنامج خبيث في لغة الانترنت يجتاح هذا العالم كما فعل كورونا بالبشرية.
وكما كان مستخدمو الكمبيوتر الشخصي التقليدي يعانون من الفيروسات، والبرمجيات الخبيثة، وقطاعات التخزين السيئة التي تؤثر على البيانات المختزنة.
كما حدثت على مر عمر الانترنت انه تتعطل شبكتها في منطقة معينة دون أخرى وذلك لأسباب مختلفة، سواء كان السبب تعطل خادم معين للشبكة فيكون بحاجة إلى إعادة تشغيل أو إلى إحلال، أو تمزق كابل تحت الماء بفعل مرساة لسفينة ؛ وقد شهد العالم كل تلك الحوادث بالفعل، والتي أثرت على كل الدول حيث انقطعت فيها الانترنت لساعات او ايام وحدث انه بسبب خلل بسيط في الشبكة فانه تووقف احد البرامج المشهورة واحدث بذلك خسارة تقدر بالملايين لمالكي هذه البرامج. ومع ذلك، لكي يتوقف الإنترنت عالميًّا، يلزم أن تتوقف البروتوكولات التي تسمح للأجهزة بالعمل ان تتوقف لسبب معين كما ذكرنا احداها، ومن الممكن أن تعاني البنية التحتية نفسها من أضرار جسيمة تؤدي الى توقف نهائي لما نسميه العالم الافتراضي او الانترنت فتوقف الكثير من اعمال الحكومات العالمية او تختفي بيانات الأشخاص او حتى لجمهور كبير من العالم كونها ايضًا اعتمدت على المعلوماتية في حفظ بياناتها.
بالإضافة الى أنظمة الاتصالات المتنقلة والأرضية والتي تعتمد بشكل رئيسي على شبكات الإنترنت، ويتم التحكم بها عن طريق خوادم معينة يتم اعتمادها من قبل الحكومات، والكثير من المناطق المغطاة فيها بخدمات الهاتف المحمول، وذلك لإجراء المكالمات أو جلسات الإنترنت؛ حيث إن البنية التحتية لتلك الخدمات تعد جزءًا من البنية التحتية لشبكة الإنترنت.
من ثم، فقد حان الوقت لوقف الاعتماد على الإنترنت قبل أن يدمرنا. فقد نقوم بأعمال ذات معنى أكثر من ذلك الوقت الذي نمضيه في استخدام الإنترنت؛ مثل الكتابة، أو ممارسة التمارين، أو التعرف إلى أشخاص في واقعنا كالحي او البلد او المدرسة او المؤسسة بعيدا عن هكذا علاقات في العالم الافتراضي، بالإضافة الى تقوية العلاقات الأسرية، أو تخزين البيانات على أقراص مدمجة على سبيل الاحتياط.
لا نعني بما ذكرناه أن الإنترنت ضار، أو سيء. فالإنترنت أداة رائعة، وقد غيرت حياتنا للأفضل بالفعل. لكن لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كلي فهي تشبه الاعتماد على صنف محدد من الغذاء بشكل كبير وعلى فترات طويلة وهذا الامر يسبب خلل في التركيب الجسماني للشخص فالقليل منها ليست ضارة، ولكن إن أقمت نظامًا غذائيًّا يعتمد تمامًا عليها، فإنك تمرض ومن الممكن ان يكون هذا المرض سريع الحدوث او ان يحدث بشكل مفاجئ.
إذا ما تم نزع الإنترنت من حياتنا سنواجه صعوبة كبيرة وخاصة أننا أصبحنا معتمدين على الإنترنت في كل ما نقوم به، من تسوق، تواصل اجتماعي، او الترفيه والتسلية، فالإنترنت أصبحت وسيلة حياة لكثير منا، وفي حالة غياب الإنترنت ستكون العواقب وخيمة، ودعونا نرى وقع هذا الاختفاء على جوانب حياتنا المهمة.
يتوقف تأثير اختفاء الإنترنت على نمط حياتنا بصفة عامة، وعلى عدد مرات استخدامنا لها، فإذا كنت “مدمناً” على الإنترنت ستصبح حياتك جحيماً لا يطاق.
ومع اختفاء تسهيلات الإنترنت سيضيع علينا وقت طويل، في الوقوف على شكل صفوف طويلة أمام المصارف، ومكاتب البريد، والإدارات الحكومية، وربما سيكلفك ذلك الانتظار أياماً أو أسابيع حتى يصل بريدك المرسل من مكان آخر من عالمنا، وفجأة ستتبين أن حياتك السريعة أصبحت بطيئة كسلحفاة مريضة وهذا ينطبق على التواصل الاجتماعي او الترفيه المعتمد على الانترنت فيصبح من الصعب الالتقاء بالناس والتفاعل معهم، خاصة من يعيشون خارج نطاقك الجغرافي المحلي، وستضطر للاشتراك في ناد محلي مجاور لك لكي تلتقي بأصدقاء جدد، وسوف يتعذر عليك الحديث الهاتفي السهل والميسور على شبكة الانترنت وستضطر الى صرف الكثير من المال في تحقيق ما تريده بدون انترنت كالزيارة مثلا. وعندما نعجز عن استخدام البريد الإلكتروني بتلك السرعة الفورية، وعندما لا نستطيع الدردشة، أو التواصل مع من نحب.
الاتصال عبر الإنترنت مجاني، بينما البدائل المتاحة تكلف مبالغ إضافية، وكذلك قدرا كبيرا من الوقت والجهد، فعليك أن تكتب الخطابات، وتشتري الطوابع، كما كنا نفعل سابقا قبل انتشار الإنترنت، وتجني شركات البريد وخدمات الهاتف أرباحاً هائلة عندما يزيد الطلب على خدماتها
من ناحية المعلومات يعتبر الخبراء أن الإنترنت محيط حافظ للمعلومات ومصادرها، وعندما يختفي الإنترنت ستختفي معها سهولة الحصول على المعلومات، وستجد نفسك مضطراً للذهاب إلى المكتبة المحلية والبحث عن المعلومة التي تريدها من خلال الكتب الموجودة فيها، وقد تنعدم فرص العثور على ضالتك من المعلومات أو الأخبار وخاصة الأحدث منها وسنكون بانتظار من يخبرنا بمثل هذه المعلومات عن طريق ارسال احدهم الى مكان الحدث وهذا ان جاء احدهم واخبرنا بان هناك حدث واي اننا سننتقل الى عصر اقدم من عصر التكنولوجيا وهذا بحد ذاته كارثة.
واخيرًا من الممكن القيام بتجربة فصل الانترنت عن المنزل او عن نفسك وعند قيامك بذلك، فستجد نفسك في حاجة لاستخدام الإنترنت للقيام بشيء، ما ولكنك لن تتمكن من ذلك؛ ثم ستحتاج لاستخدام الإنترنت للقيام بشيء “هام”، فلن تستطيع القيام بذلك أيضًا. إنه تمامًا مثل الإقلاع عن التدخين؛ حيث تصبح لديك رغبة في استخدام الإنترنت، ولكن يلزمك بعض الوقت للتخلص من تلك الرغبة.
وهذا عند تخلصك من هذه الرغبة ستغدو حرًا من جديد وتعيش لحظات الحياة كما تستحق ان تعاش ولكن لا يعني هذا الانفصال عن العالم الافتراضي وانما مجاراته وتحقيق مكاسب منه قدر المستطاع ولكن عدم الرضوخ له والادمان عليه.
#ريناس_اسعد