المقدسات والمكتسبات الاجتماعية _ مركز البحوث والعلوم الأجتماعية
المكتسبات والمقدسات الاجتماعية لشمال شرق سوريا
المقدسات والمكتسبات الاجتماعية:
المقدسات:
هي أشياء أو أماكن أو أفكار تُعتبر ذات قيمة عالية وتُحظى باحترام كبير من قبل المجتمع. مثل المقدسات الدينية كالشعائر الدينية ودور العبادة. والمقدسات الثقافية كاللغة والعادات والتقاليد. اما المقدسات التاريخية مثل القيم والقلاع والحصون والاثار التي تدل على حضارة ما.
المكتسبات الاجتماعية:
هي إنجازات حققها المجتمع ككل من خلال النضال والعمل الجماعي. تشمل المكتسبات الاجتماعية الحقوق والحريات التي يتمتع بها أفراد المجتمع، مثل: حرية التعبير. حرية الدين. حق التعليم. حق العمل. والمساواة بين الجنسين. كما تشمل المكتسبات الاجتماعية أيضًا الخدمات العامة التي يستفيد منها جميع أفراد المجتمع، مثل: التعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية والبنية التحتية.
العلاقة بين المقدسات والمكتسبات الاجتماعية:
يمكن أن تلعب المقدسات دورًا في تعزيز المكتسبات الاجتماعية. على سبيل المثال، يمكن أن تُلهم المعتقدات الدينية الناس للنضال من أجل العدالة والمساواة. يمكن أن تُساهم القيم الثقافية في بناء مجتمع متماسك ورحيم. يمكن أن تُحافظ المواقع التاريخية على ذاكرة الأحداث المهمة وتُلهم الأجيال القادمة لبناء مجتمع أفضل والاستفادة منها.
في مقالتنا سنتحدث عن المقدسات والمكتسبات الاجتماعية لشمال شرق سوريا كون هذه المنطقة تعتبر من أهم المناطق في سوريا. حيث تُعرف المنطقة بتاريخها العريق، حيث كانت موطنًا للعديد من الحضارات القديمة مثل الحضارة الهورية والميتانية والآشورية والسريانية وغيرها من الحضارات التي قامت على هذه المنطقة. وتُعدّ المنطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تقع على طريق تجاري هام يربط بين أوروبا وآسيا. كما عانت المنطقة من ظروف صعبة خلال العقود الماضية، بسبب الحروب والصراعات والتهميش من الأنظمة الدولتية على مر العقود الماضية. شهدت المنطقة في ظل ما يعرف بالربيع العربي نقطة تحول مفصلية في التاريخ. حيث على أرض هذه المنطقة انطلقت ثورة شملت كافة الأصعدة الاجتماعية والسياسية وكانت ثورة اجتماعية لم تعهدها المنطقة برمتها وثورة المرأة. وحققت الثورة مقدسات ومكتسبات لكافة مكونات المنطقة حيث كان لابد من الوقوف عند هذه المقدسات والمكتسبات. ولكن قبل الحديث عن هذه المقدسات والمكتسبات علينا الحديث عن المكونات الثقافية لشمال شرق سوريا وطريقة حياتهم ووضعهم قبل وبعد الثورة
المكونات الثقافية في شمال شرق سوريا وطريقة حياتهم:
يتميز شمال شرق سوريا بتنوعه الثقافي الكبير، حيث يسكنه العرب والكُرد والسريان والآشوريون والأرمن.
تختلف طريقة الحياة في شمال شرق سوريا حسب المجموعة العرقية والدينية. من ناحية اللغة والعادات والتقاليد والمناسبات والاعياد الخاصة بكل ثقافة. تُقام العديد من الاحتفالات والمهرجانات على مدار العام، مثل عيد نوروز وعيد الميلاد وعيد الفطر والاضحى في هذه الأعياد تتبادل كل المكونات التهاني والزيارات. تُعدّ الموسيقى والرقصات من أهم أشكال التعبير الثقافي في المنطقة.
وتعتمد كل تلك الثقافات بشكل عام، على التجارة والزراعة وتربية المواشي كمصدر للدخل.
الوضع الاجتماعي في شمال شرق سوريا سابقاً والآن:
كان الوضع الاجتماعي السابق لشمال شرق سوريا يعاني من الطائفية والعرقية. مثل تهميش كافة المكونات حيث واجهت المكونات في شمال شرق سوريا، مثل الكُرد والسريان والآشوريين والعرب، تهميشًا من قبل النظام الدولتي. كما تمّ تهميش الثقافات واللغات غير العربية وفي نفس الوقت لم يحظى عرب المنطقة بأية مكانة أو اهتمام. حدثت بعض النزاعات بين مجموعات طائفية مختلفة، مثل العرب والكُرد وكانت هذه النزاعات مفتعلة بهدف جعل المنطقة بحالة عدم استقرار.
أما الوضع الاجتماعي الراهن في شمال شرق سوريا في ظل الإدارة الذاتية يحمل في طياته جوانب إيجابية حيث المشاركة السياسية وتُشارك جميع المكونات في الإدارة الذاتية، مما يُعزّز الشعور بالمسؤولية والانتماء. والمساواة بين الجنسين: تُعزّز الإدارة الذاتية المساواة بين الجنسين وتُشجع على مشاركة المرأة في جميع المجالات. والأمان: تُعتبر المنطقة آمنة نسبيًا مقارنة بباقي أنحاء سوريا.
المكتسبات الاجتماعية في شمال شرق سوريا في ظل ثورة شمال وشرق سوريا
انطلقت ثورة شمال وشرق سوريا في 19 تموز من عام 2012، والتي تهدف إلى بناء مجتمع ديمقراطي حرّ تُشارك فيه المرأة بشكل كامل. تُعدّ ثورة شمال وشرق سوريا نموذجًا فريدًا للثورة الاجتماعية، حيث تُعزّز المساواة بين الجنسين والتنوع الثقافي والديمقراطية. حيث تُبنى ثورة شمال وشرق سوريا على مبادئ أساسية، أهمها:
1-المساواة بين الجنسين: تُشارك المرأة بشكل كامل في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. كما تمّ إلغاء قوانين الزواج المبكر والزواج القسري، وتمّ إنشاء العديد من المؤسسات النسوية.
2-التنوع الثقافي: تُحترم جميع المكونات العرقية والدينية في المنطقة. وجعلت من اللغة العربية والكردية والسريانية لغات رسمية في المنطقة.
3-الديمقراطية: يُشارك جميع المكونات في صنع القرار من خلال نظام الإدارة الذاتية. وتُسمح حرية التعبير والتجمع بشكل كبير.
4-العدالة الاجتماعية: تُحارب ثورة شمال وشرق سوريا الفقر والتهميش. وتسعى الى تحقيق العدالة الاجتماعية لكافة مكونات المنطقة.
5-تحسين التعليم والصحة: تمّ إنشاء العديد من المدارس والجامعات والمستشفيات.
6-الأمن والأمان: تُعتبر المنطقة آمنة نسبيًا مقارنة بباقي أنحاء سوريا.
كما تواجه ثورة شمال وشرق سوريا العديد من التحديات، وأبرزها الحرب الأهلية السورية التي أدّت الحرب إلى نزوح كبير للسكان وتدمير البنية التحتية. والتهديدات الخارجية المتمثلة بتركيا وداعش. وعلى الرغم من التحديات، تُؤسس ثورة شمال وشرق سوريا نظامًا جديدًا في المنطقة يُعزّز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين. وتسعى إلى بناء مستقبل أفضل لجميع مكوناتها.
المقدسات المجتمعية لثورة شمال وشرق سوريا:
مصطلح القدسية تعريف مجتمعي لما هو ساحر وخارق. أي أن المقدس هو المجتمع بالذات. ويتم تقديس الأشياء الأكثر إسهاماً في حياة المجتمع وبقائه متماسكا ومتمكناً من إنجاز التقدم والنجاح. وبقدر ما تكون تلك الأشياء ثمينتاً وقيمةً بقدر ما تحمل القداسة ولعلى أبرز المقدسات الاجتماعية لثورة شمال وشرق سوريا هي:
1-الشهداء:
حيث تعتبر ثورة شمال وشرق سوريا شهداءها رمزًا للنضال من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وتُكِنّ لهم احترامًا وتقديرًا كبيرين، وتُحيي ذكراهم بشكل دوري. ومن مظاهر تقدير ثورة شمال وشرق سوريا لشهدائها: إطلاق أسماء الشهداء على الشوارع والمؤسسات تخليدًا لذكرى الشهداء، وإقامة الاحتفالات والفعاليات بشكل دوري لإحياء ذكرى الشهداء وتكريمهم. وتقديم الدعم لعائلات الشهداء من الناحية المادية والمعنوية. نشر السيرة الذاتية للشهداء حيث يتم نشر نضالهم في الكتب والمجلات والصحف، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي. وتعتبر ثورة شمال وشرق سوريا أن شهداءها هم رمز للتضحية ومصدر إلهام لأجيال القادمة لاستمرار في النضال من أجل تحقيق أهداف الثورة.
2-أخوة الشعوب:
تُعدّ أخوة الشعوب أحد أهم المبادئ الأساسية التي تُبنى عليها ثورة شمال وشرق سوريا. تهدف هذه المبادئ إلى بناء مجتمعٍ ديمقراطيٍّ تعدديٍّ يُشارك فيه جميع مكونات المجتمع، بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الديني أو الطائفي. وتتجلى أخوة الشعوب في ثورة شمال وشرق سوريا من خلال: المشاركة الفاعلة لجميع مكونات المجتمع في إدارة شؤون الإقليم حيث يُشارك العرب والكرد والسريان والأرمن والآشوريون وباقي المكونات في جميع مؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، من مجالس محلية إلى هيئات تشريعية وقضائية. التعاون والتضامن بين مختلف المكونات. نظام التعليم المُتعدد اللغات حيث يُتّم تدريس جميع اللغات الأمّ في المدارس، مما يُساهم في الحفاظ على ثقافات جميع المكونات. والاعتراف بالحقوق الثقافية والدينية لجميع المكونات. وتُعدّ أخوة الشعوب في ثورة شمال وشرق سوريا نموذجاً فريداً يُمكن أن يُطبّق في جميع أنحاء العالم، ويُساهم في حلّ الصراعات وتحقيق السلام والاستقرار.
3- التعايش السلمي:
من أهم مبادئ ثورة شمال وشرق سوريا هو التعايش السلمي بين جميع مكونات المنطقة، من أكراد وعرب وسريان وآشوريين وتركمان وغيرهم. تسعى الثورة إلى بناء مجتمعٍ ديمقراطيٍ تعدديٍ يُحترم فيه الجميع ويتعيش جميع مكوناته في محبة ومساواة وعدالة، بغض النظر عن العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس
4- حرية المرأة:
تُعدّ حرية المرأة من أهم مبادئ ثورة شمال وشرق سوريا. تسعى الثورة إلى تحرير المرأة من جميع أشكال القمع والاضطهاد، وتمكينها من المشاركة بشكلٍ فعّال في جميع مجالات الحياة. وتسعى الثورة إلى رفع مكانة المرأة في المجتمع، وإزالة جميع أشكال التمييز ضدها. وأعطاء المرأة دورها التاريخي القديم في إدارة المجتمع الذي سلب منها منذ عهد دولة سومر 3500 ق. م وال يومنا هذه تعاني المرأة ما تعاني. لذلك تبنت ثورة شمال وشرق سوريا بناء مجتمع ديمقراطي حر إيكولوجي يؤمن بحرية المرأة ودون حرية المرأة لا يمكن لذلك المجتمع الوصول الى الحرية. وأبرز ما قدمته ثورة شمال وشرق سوريا للمرأة هو: المشاركة السياسية حيث تمّ ضمان مشاركة المرأة بشكلٍ فعّال في الحياة السياسية، حيث تُشكل النساء 40% من أعضاء المجالس المحلية. والمشاركة في صنع القرار. وتُساعد الثورة النساء على تحقيق التمكين الاقتصادي من خلال توفير فرص العمل والتدريب لهن. وتُؤمّن ثورة شمال وشرق سوريا التعليم للجميع، بما في ذلك النساء، وتُشجعهن على الالتحاق بالجامعات ومراكز التعليم العالي. والرعاية الصحية. ومحاربة العنف ضد المرأة حيث تُحارب ثورة شمال وشرق سوريا جميع أشكال العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف الأسري والزواج المبكر.
5-حماية البيئية:
تسعى الثورة إلى حماية البيئة من التلوث والدمار، وتحقيق التنمية المستدامة التي تُلبي احتياجات الأجيال الحالية دون المساس باحتياجات الأجيال القادمة. التجليات العملية من خلال: إنشاء مؤسسات مختصة بحماية البيئة من المؤسسات المختصة بحماية البيئة، “هيئة حماية البيئة”. وسنّ القوانين والتشريعات لحماية البيئة. وتوعية المجتمع بأهمية حماية البيئة من خلال تُنظم العديد من الفعاليات والأنشطة لتوعية المجتمع بأهمية حماية البيئة. وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية. حماية الغابات من خلال منع ظاهرة قطع الأشجار، وتُشجع على زراعة الأشجار. وحماية التنوع البيولوجي من الانقراض.
المخاطر والتهديدات التي تواجه منطقة شمال شرق سوريا
تواجه ثورة شمال وشرق سوريا ومنطقة شمال شرق سوريا العديد من المخاطر والتهديدات، أهمها:
- المخاطر والتهديدات التركية: تُهدد تركيا بشكلٍ مستمر بشنّ عدوانٍ عسكريٍّ على شمال شرق سوريا، بحجة محاربة “الإرهاب” وإنشاء منطقة أمنة. كما ُدعم تركيا العديد من الجماعات المتطرفة في شمال سوريا، مثل “جيش الإسلام” و”فيلق الشام”. وتُسعى تركيا إلى توطين اللاجئين السوريين في شمال سوريا، بهدف تغيير التركيبة السكانية للمنطقة. تُهدد تركيا بقطع المياه عن شمال سوريا، مما يُهدد حياة الملايين من المدنيين.
- المخاطر والتهديدات السورية: تسعى الحكومة السورية إلى إعادة السيطرة على شمال شرق سوريا، وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها في المنطقة التي تنشر على الدوام الفتن بهدف خلق الفوضى في شمال شرق سوريا.
- المخاطر والتهديدات الإيرانية: تسعى إيران إلى توسيع نفوذها في شمال شرق سوريا، وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها في المنطقة. كما تُنشئ إيران العديد من القواعد العسكرية في شمال شرق سوريا، مما يُهدد أمن المنطقة.
- مخاطر داعش: لا تزال خلايا داعش النائمة موجودة في شمال شرق سوريا، تشكل مصدراً يُهدد الأمن والاستقرار. كما تُشنّ داعش هجماتٍ إرهابيةٍ بشكلٍ مستمرٍّ في شمال شرق سوريا.
وتُهدد هذه المخاطر والتهديدات الأمن والاستقرار في شمال شرق سوريا. وتُعيق حركة التجارة والنمو الاقتصادي في شمال شرق سوريا. وذلك يهدد حياة الملايين من المدنيين في شمال شرق سوريا.
الجهود المبذولة لمواجهة المخاطر والتهديدات التي تواجه منطقة شمال شرق سوريا للحفاظ على مكتسبات الثورة:
تُبذل الجهود من أجل التعاون الدولي للحفاظ على أمن واستقرار منطقة شمال شرق سوريا من التهديدات والمخاطر. وتُشكّل قوات سوريا الديمقراطية الذي يعتبر خط الدفاع الأول عن مكتسبات ثورة شمال وشرق سوريا. كما تُبذل الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا جهودًا كبيرة للحفاظ على مكتسبات ثورة شمال وشرق سوريا، من خلال تعزيز التعايش السلمي بين جميع مكونات المنطقة. ونشر ثقافة التسامح والاحترام المتبادل. وتحسين الأوضاع المعيشية للمدنيين. وتوفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والكهرباء والمياه. ومحاربة الفساد. وتعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية. ونشر الوعي حول أهمية ثورة شمال وشرق سوريا ومكتسباتها. وختاماً علينا نحن أبناء شمال شرق سوريا أدراك أهمية ثورة شمال وشرق سوريا وأهمية المقدسات والمكتسبات التي حققتها للمنطقة. والحفاظ على مكتسباتها من التهديدات كون مكونات المنطقة هي الركيزة الأساسية للثورة.