أكاديمية المجتمع الديمقراطي

الإسلام السياسي

إعداد: حسام الاحمد

0 1٬672

الإسلام السياسي

 

الدين يلعب دوراً كبيراً وهاماً في حياة أغلب المجتمعات وعلى وجه الخصوص منطقة الشرق الأوسط ، إذ يَعُد المقوم الأول والرئيسي في تشكيل وتكون العلاقة بين الافراد والمجتمع، كما ينظم الحياة المجتمعية وفقاً لأيديولوجيته الخاصة، خصوصاً لدين كالدين الإسلامي حيث مازال الدين بعداً من أبعاد السياسة وعنصراً مركب في قالب القومية حيث إن بعض المتعصبين الإسلاميين ينسبون الدين لقومية واحدة دون القوميات الأخرى، ولقد تحدثنا في مقالة سابقة بعنوان ” تأثير الأديان على المجتمعات” وأكدت من منظوري الشخصي في نقطة قد يتفق البعض منكم معي. وقد لا يتفق البعض الآخر وهي:(أن الأديان تجربة شخصية وفردية لكل فرد، وقد يختلف الشخص في تفسيره وممارسته للدين، لذا يجب الحرص على عدم العموميات وتجنب التعميم عن الأديان بشكل عام، وعلينا أن نفهم إن الأديان في جوهرها تحمل رسائل سلام ومحبة، وغير ذلك يكون بفعل النفس البشرية)، وهنا لا أقصد أن كل شخص يبتدع دين جديد، أنما المقصود هو إن تصرفات الأشخاص الذين ينتمون الى أي دين هي تصرفات شخصية وفردية لا تمت بأي صلة للدين الذي ينتمي اليه.

هنا سنتحدث عن فترة دخول الإسلام مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عن الإسلام المبكر، متمثلة بالإسلام السياسي أو “الظاهرة الإسلامية” وما نتج عنها من طائفية وعنف. وبالنسبة للطائفية أدى الإسلام السياسي والأحزاب الإسلامية السياسية إلى تفاقم التوترات الطائفية في كثير من الدول الإسلامية، حيث سعت بعض التيارات الإسلامية إلى فرض تفسيراتها للإسلام بما يتماشى مع مصالحها السياسية والشخصية. وبالنسبة للعنف لجأت بعض التيارات الإسلامية إلى العنف لتحقيق أهدافها السياسية، مما أدى إلى تفجيرات واغتيالات وحروب أهلية في العديد من دول المنطقة.

اليوم من يدعون بالإسلام السياسي معتدلين كانوا أم متطرفين، ينظرون الى أنفسهم أنهم وحدهم القادرون على تفسير الإسلام وإعطائه المضامين السياسية على هواهم، وأن خصومهم من المسلمين هم مجرد كفار مرتدين مشركين مبتدعين. حيث تنظر بعض أحزاب الإسلام السياسي إلى المسلمين الذين لا يتبعون تفسيرها للإسلام ولا يتبعون تعاليم تلك الأحزاب بدقة تنظر على أنهم ضالون بحاجة إلى التوجيه والإرشاد وهم كفار يستحقون القتل أو العقاب. كما تنظر الأحزاب الإسلامية السياسية إلى المسلمين الذين يعارضونها سياسياً على أنهم خصوم يجب هزيمتهم.

كما ألقت حقبة الربيع العربي (2011-2010) بظلالها على الحركات الإسلامية حيث تصاعد ظهورها وانخراطها في السياسة، حيث التفت حولها شعوب المنطقة مثل: تونس حزب النهضة، المغرب حزب العدالة والتنمية المغربي، حكومة الوفاق الليبية المحسوبة على الإخوان المسلمين، والإخوان المسلمين في مصر. وكان التفاف الجماهير في منطقة الشرق الأوسط حول هذه التيارات ظناً منها هي طوق النجاة لها من المشاكل والأزمات التي عانت منها في الأنظمة العلمانية التي كانت تدعي الديمقراطية والحرية. ولكن تلك الأحزاب الإسلامية خرجت من المشهد السياسي وقد وهن إسلامها وأثبتت افتقارها للسياسة. كما تآكلت جماهيريتها السابقة، وظهر مدى هشاشة وتعصب مشروعها للحكم، وهي إن لم تختفي من المشهد السياسي بشكل كلي إلا أنها على أقل تقدير، دخلت حالة من الجمود أو التخبط السياسي. بمجرد قولنا الإسلام السياسي تتوجه أنظارنا نحو الإخوان المسلمين ومؤسسها “حسن البنا” ولكن الكثير من الناس لا يعلمون أن حسن البنا ليس هو مؤسس جماعة الإخوان المسلمين 1928، حيث إن التاريخ الحقيقي لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين ومن أسسها يشوبه الكثير من الغموض. واختلفت المصادر حول هذا الأمر هل حسن البنا مرشد الجماعة الأول، هو مؤسسها أم صديق طفولته ونائبه “أحمد السكري “؟ حيث بعد خروج أحمد السكري وطرده من جماعة الإخوان المسلمين كتب سلسلة مقالات تم نشرها في جريدة “صوت الأمة”1947.وكشف فيها الكثير من الحقائق حول جماعة الإخوان المسلمين وتبين تلك الحقائق أنه هو المؤسس الحقيقي للجماعة.

يُمثل الإسلام السياسي ظاهرة معقدة ذات جذور عميقة تمتد عبر التاريخ الإسلامي. ولتحديد أصولها بدقة، نحتاج إلى استكشاف التفاعلات بين الدين والسياسة.

بداية الإسلام السياسي

كان لعهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم دورٌ هام في تشكيل مفهوم الإسلام السياسي، ولكن علينا الإشارة إلى أنّ مفهوم الإسلام السياسي لم يتبلور بشكلٍ كاملٍ في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن النهج الذي انتهجه النبي محمد في إدارة شؤون المجتمع كان نموذجاً مثالياً لتطبيق مبادئ الإسلام في السياسة والحكم، حيث أسس نظاماً سياسياً في المدينة المنورة بعد هجرته من مكة، أسس “اتفاق المدينة” أو صحيفة المدینة، حيث يعتبر بمثابة عقد اجتماعي. كُتب فور هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وقد توسع فيه الحديث من قبل المؤرخون والمستشرقون واعتبره أغلبهم مفخرة ومَعلَماً من المعالم السياسية والإنسانية. كان الهدف من كتابة اتفاق المدينة هو تحسين العلاقات بين مختلف الطوائف والجماعات في المدينة، وعلى رأسهم المهاجرين والأنصار واليهود وغيرهم، حتى يتمكن المسلمون واليهود وجميع الطوائف في المدينة بمقتضى هذا العقد من التصدي لأي عدوان خارجي على المدينة. وبإبرام هذا الميثاق وإقرار جميع الطوائف بما جاء في بنود تلك الاتفاقية أصبحت جميع الحقوق الإنسانية مكفولة في المدينة المنورة، كحق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر والمساواة والعدل.

 ونظمت الحياة المجتمعية في المدينة كما اتخذ النبي محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد النبوي مركزًا للحكم وإدارة شؤون المجتمع. حيث كان النبي يستشير أصحابه في مختلف الأمور، وكان يأخذ بآرائهم. وبهذا الأسلوب من الإسلام السياسي نظم مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كما تميزت تلك المرحلة بالعدل والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الانتماء الاجتماعي. هذا النهج ساهم في انتشار الإسلام بشكلٍ سريعٍ وسلمي، ورسّخ مفهوم الإسلام كدينٍ يُنشر بالدعوة لا بالقوة، ودعونا نطلق على هذا النوع من الحكم ” الإسلام السياسي المجتمعي” حيث خدمة أفراد المجتمع هي من أولويات هذا النظام.

أما في الفترات اللاحقة من الحكم الإسلامي ” الأمويين والعباسيين والعثمانيين…. الخ” تعمق الإسلام السياسي. ولكنه خرج من الخدمة المجتمعية وأصبح إسلام سياسي يخدم المصالح الشخصية حيث الانفراد في الحكم وانتشار الفقر والفساد والحروب.

الإسلام السياسي في العصر الحديث

يشهد العالم الإسلامي اليوم تنوعاً كبيراً في التيارات الإسلامية السياسية، من تلك التي تسعى إلى المشاركة في الحياة السياسية من خلال الوسائل الديمقراطية، إلى تلك التي تعتمد العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها. وهنا سنستعرض أهم الحركات الإسلامية الحديثة في المنطقة ومشاريعها السياسية وطريقة إدارتها:

1-الإخوان المسلمون في مصر: تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، وتُعتبر من أبرز الحركات الإسلامية الحديثة التي سعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مجالات الحياة. ولقد اتخذت من العنف كوسيلة لوصولها إلى السلطة في أغلب المراحل السياسية بمصر وأبرزها تلك المراحل وصولها إلى سدة الحكم في مصر أعقاب ثورة 25 يونيو من عام 2011 ولكن لم تدم فترة حكمهم سوى عام واحد. حيث تم الإطاحة بحكم الإخوان عام 2013 وذلك بسبب هشاشة وضعف الإدارة وعدم تحديد رؤية مستقبلية واضحة لمصر. وفضلاً عن ذلك تم إقصاء أغلب فئات الشعب المصري وأحزابه من دوره في الحياة السياسية، وإتباع سياسة الحزب الواحد في الحكم.

2- حزب العدالة والتنمية بتركيا: اتخذت تركيا نهجاً علمانياً تحت قيادة مصطفى كمال. في العقود الأخيرة، شهدت تركيا صعوداً للإسلام السياسي، حيث ازدادت شعبية الأحزاب الإسلامية بين الناخبين. مع صعود حزب العدالة والتنمية (AKP) الإسلامي. الحكومة التركية منذ عام 2002 وإلى الآن. تلعب تركيا دورًا في الإسلام السياسي على مستوى المنطقة، حيث تدعم الحركات الإسلامية التي تنتهج نهج تركيا ومع إتباع تركيا سياسة صفر مشاكل مع دول المنطقة إلا أن هذه السياسة لم تدم طويلاً. حيث مع إن اندلاع ثورات الربيع العربي، نظر حزب العدالة والتنمية وزعيمه إلى تلك الأحداث التي تعصف بالمنطقة فرصة، لبعث وإحياء أحلام تركيا القديمة والجديدة لمد نفوذها الإقليمي في المنطقة. فبدأ الرهان منعقداً على جماعة الإخوان المسلمين ذات النفوذ الجماهيري المتعاظم في أغلب المناطق التي شهدت تلك الثورات، والتي وصل بعضها إلى السلطة أو شارك فيها مثل: مصر وتونس والمغرب وغيرها. وهنا بدأت تركيا باستخدام أدواتها ” الخشنة” المتمثلة في دعم بعض الجماعات، بما فيها المسلحة في سورية وليبيا وأذربيجان، وغيرها من دول المنطقة وانتهاج سياسة تصعيدية ضد عدد من الدول والحكومات وشعوب المنطقة. وبدلاً عن سياسة “صفر مشاكل” أصبحت تركيا غارقةً في المشاكل والأزمات الداخلية والخارجية.

3-الثورة الإسلامية في إيران: شكّلت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 نقطة تحول هامة في مسار الإسلام السياسي، حيث أقامت نظاماً سياسياً قائماً على مبادئ الإسلام السياسي. يختلف الحكم الإسلامي في إيران عن الحكم الإسلامي في تركيا في هيكلية النظام والتوجه العقائدي ولكن يتفقان في تقيّد حرية التعبير والتجمع، وقمع المعارضة السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان، والتمييز ضد الأقليات، وقضايا المرأة، ودعم الجماعات المتطرفة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ونتج عن هذه السياسة تدهور الوضع الاقتصادي نتيجة سوء الإدارة والفساد والعقوبات الاقتصادية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وانتشار الفقر.

4- حركة حماس في قطاع غزة: حركة حماس هي حركة إسلامية ذات طابع سياسي، أسسها الشيخ أحمد ياسين في عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة). تأسست الحركة بهدف تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي التاريخية لفلسطين، بما في ذلك الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.

تعتبر حماس منظمة إسلامية مع توجه سياسي قوي، تتبنى الإسلام كأسلوب سياسي، شاركت حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 وحصلت على أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني. وبعد فشل المحاولات السياسية لإقامة حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح، سيطرت حماس على قطاع غزة بالقوة في عام 2007 بعد صراع عنيف مع فتح. واليوم وبسبب سياستها يواجه قطاع غزة حرب دموية راح ضحيتها ما يزيد عن 36 ألف شخص وتدمير للبنى التحتية. هنا يتباين التقييم لدى أغلب شعوب المنطقة حول حركة حماس ودورها في الإسلام السياسي بين من يرونها كجزء مهم من الجماعات الإسلامية السياسية في المنطقة وبين من يعتبرونها تمثلاً للتيار الإسلامي المتشدد والمتطرف. ولكن من منظوري الشخصي حركة حماس حاله حال الكثير من الحركات الإسلامية السياسية التي تعاني من تخبط سياسي وهشاشة في توضيح رؤية سياسة واضحة ومشروع يهدف الى تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني، فضلاً عن ذلك هي الآن مجرد ورقة في يد أنقرة وطهران ضد إسرائيل تحركها كلتا الدولتين حسب مصالحهما السلطوية الدولتية.

هذه بعض الأمثلة حيال الأنظمة والحركات الإسلامية السياسية التي تتخذ من الإسلام وسيلة لتحقيق مصالح سلطوية وشخصية دون تحقيق مصالح تهم المجتمع وأفراده. حيث يبدو أن هنالك اليوم أكثر من إسلام في حياتنا فكل حزب بما لديهم فرحون، من إسلام يهدف إلى نشر قيم المحبة والتسامح والأخلاق إلى إسلام سياسي لا يبت إلى الإسلام الحقيقي بشيء. حيث تم تحريفه بطريقة خبيثة في سبيل أن يتلاءم مع مشاريعهم السياسية والاقتصادية والحزبية. أصبح مصدر رعب عند الشعوب التي لم تقرأه كما يجب، وهذا بفضل التيارات السياسية والفكرية المنحرفة التي صورت الإسلام مصدر للرعب والإرهاب والطريق الأمثل نحو شرعية القتل وسفك الدماء. وهذا كله بعيد كل البعد عن حقيقة الإسلام الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

الإسلام السياسي من منظور القائد عبد الله أوجلان:

يمكن أن نفهم وجهة نظرة القائد عبد الله أوجلان بشأن الإسلام السياسي من خلال قوله: “الإسلام الحقيقي الثقافي هو عدو الإسلام السياسي السلطوي”

حيث يرى أن الإسلام السياسي الذي تنتهجه الأحزاب الإسلامية يقيد الحريات الفردية ويقوض الاستقرار والتعددية الثقافية ويسعى لتحقيق السلطة الدولتية وتقوم بفرض وجهة نظرها على الآخرين، وهو ما يعارض مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي ينادي بها. وينظر القائد عبد الله أوجلان أن مسألة الدين بشكل عام على أنه عامل شخصي يجب أن يكون خارج نطاق السياسة العامة. لإن ترسيخ الإسلام السياسي أو أي فكرة دينية في السلطة قد يؤدي إلى التمييز الديني والقمع السياسي للأقليات وانتهاك حقوق الإنسان

ختاماً نحن اليوم في أَمَس الحاجة إلى أن نبحث عن جوهر الإسلام الحقيقي، لأننا على يقين تام بأن الإسلام الذي يروج له الشخص السياسي والحزبي وحتى بعض الأنظمة الإسلامية ليس هو الإسلام الحقيقي. حيث يقومون بالترويج له باعتباره هو الإسلام، وهو ليس سوى مصالح لأفراد وجماعات ودول. ويجب علينا أن نبحث عن الإسلام الحقيقي في مؤلفات المفكرين وعلماء الدين وأن نلتمسه في سلوك الأفراد وأخلاقهم. ونلتمس الفوارق الحقيقية بين النظرية والتطبيق وبين حقيقية الشعار والعمل، فالإسلام هو تزكية للنفس ونماء للعقل وفضيلة للأخلاق ونبل في التعامل، وما دون ذلك سيكون الدين وسيلة لتحقيق مكاسب وأهداف دنيوية خالصة لا علاقة لها بالأمور الكبيرة التي جاء بها الإسلام مثل نشر العلم والمعرفة وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية والإنسانية وحماية المجتمع والبيئة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.