الفساد _ حسام الاحمد
الفساد
حسام الاحمد
أكاديمية المجتمع الديمقراطي هي حركة مجتمع ديمقراطي، وهي تنخرط بقوة فكرية ضمن المجتمع، وإيماناً بفكر الأمة الديمقراطية، علينا الحديث والكتابة عن مشاكل وهموم المجتمع دون الحاجة الى التملق والمراوغة في مناقشة المشاكل التي يعاني منها المجتمع، ولعل أبرز تلك المشاكل هي الفساد، والفساد هو مفهوم يشير إلى سوء استخدام السلطة أو الموارد العامة في صالح فرد أو مجموعة صغيرة على حساب المصلحة العامة. ويتسبب الفساد في إضعاف الاقتصاد، والقضاء على العدالة، وتآكل الثقة العامة بين المؤسسات الادارية وفئات الشعب، والفساد هو مشكلة عالمية تؤثر على العديد من البلدان حول العالم، ليس فقط في بلدان الشرق الأوسط. ويمكن أن يتعدى الفساد نطاق القطاع العام ويؤثر أيضًا على القطاع الخاص والمجتمع بشكل عام. تتضمن أشكال الفساد: تحريف الأخلاق وإساءة استخدام الإدارة، والرشوة واختلاس الأموال العامة وتهريب الأموال وتبييضها وغيرها. وقبل أن نُعرف الفساد علينا ذكر بعض الأقوال المأثورة عن الفساد ومنها:
- “الفساد كالرائحة الكريهة لا يكفي أن تسد أنفك عنها بل يجب ان تتحرى عن مصدرها فتزيله”. علي إبراهيم الموسوي.
2- ” الفساد هو ضريبة أخرى على الشعب وهو من يدفع الأموال للتعويض عن مثل هذه الفساد”. جوزيف مسقط.
3- ” مثلما ينتن الحيوان الميت كذلك الفساد ينتن والمجتمع الفاسد ينتن”. البابا فرنسيس.
4- ” الفساد هو أسوأ نوع من الفقر”. ” محمد يونس.
5- ” الفساد هو عبء أكبر على المجتمع من الفقر والمرض”.” آمارتيا سن”
6- ” الفساد هو سرقة الأخلاق”. إدموند برك.
أما تعريف الفساد؛ فيعرِّفه قاموس أكسفورد بأنه: ” سلوك غير صادق أو مخادع من قِبل أولئك الموجودين في السلطة، وعادة ما ينطوي على الرشوة”. أصل كلمة الفساد في اللغة الإنجليزيةcorruption” ” من الكلمة اللاتينية “corrupts”، وهي النعت الماضي من corrupter” ” التي تعني بدورها “أفسد ورشا ودمّر”.
الفساد قديم قدم التاريخ البشري؛ حيث ذكرنا بأن الفساد ليس في مجتمع دون المجتمع الآخر، حيث ذكرت بعض المصادر التاريخية أنه في عهد الأسرة الأولى في مصر القديمة (3100-2700 قبل الميلاد)، ظهرت حالات فساد في نظامها القضائي. وُجِدت هذه الممارسة أيضاً في الصين القديمة، ففي الأساطير الصينية كل بيت لديه إله مطبخ يراقب سلوك أعضائه. قبل أسبوع من السنة الصينية الجديدة، يصعد إله المطبخ إلى السماء ليقدم تقريره السنوي إلى حاكم الجنة الإمبراطور “جايد”، يعتمد مصير الأسرة والذي يتمثل في المكافأة أو العقاب على هذا التقرير وفي محاولة لضمان الحصول على تقرير جيد، تلطخ العديد من الأسر كعكة من السكر والعسل، على صورة إله المطبخ التي يعلقونها في منازلهم قبل حرق الصورة، وهي الطريقة التي يمكن بها لإله المطبخ أن يصعد إلى السماء للقاء الإمبراطور جايد، وكل ذلك من أجل أن يكون التقرير مناسباً من أجل الحصول على المكافأة بدل من العقاب، وعلى نفس المنوال، يذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت أن عائلة الكامونيون قد رشت كاهنات أوراكل دلفي، والأوراكل هو: شخص أو مجموعة يعتبر وسيطًا روحيًّا أو مصدر الحكمة التنبؤية واستبصار المستقبل المستوحاة من الآلهة، و يعتقد أن الأوراكل هم البوابات التي تتكلّم الآلهة من خلالها مباشرة إلى الناس، وعائلة الكامونيون هي إحدى أقوى القوى الغامضة في اليونان القديمة، يعود تاريخها إلى عام 1400 قبل الميلاد، وقد جاء الناس في جميع أنحاء اليونان وخارجها للحصول على إجابات لأسئلتهم من قبل بيثيا؛ كاهنة أبولو العليا، عرضت عائلة الكمونيون الغنية لإعادة بناء معبد أبولو ببذخ مع “رخام باريان” بعد أن دمره الزلزال، ورخام باريان: هو رخام أبيض ناصع شبه شفاف وخال من العيوب، وهو محجر خلال العصر الكلاسيكي في جزيرة باروس اليونانية في بحر إيجه في المقابل، أقنعت بيثيا وبيثياهي الوسيط الروحي وكاهنة الإله ابوليو، الدولة القومية أسبرطة بمساعدة أسرة الكمونيون على قهر وحكم أثينا وإنجاح ذلك الأمر، أشار أرسطو أنه حتى الآلهة يمكن رشوتهم، حتى وأن كان مثل هذه الروايات مستوحاة من وحي الأساطير فلا يمكن تجاهلها كون الاسطورة تحاكي حقبة زمنية معينة، وذلك من خلال سرد تفاصيل حياة ذلك الزمن، فيمكننا الاعتماد عليها من أجل استخلاص العبرة والموعظة.
اما في العصور الحديثة، ومع توسع الاقتصاد العالمي بشكل كبير خلال القرن العشرين؛ ازدادت مستويات الفساد أيضاً. من الصعب تقدير حجم ومدى الفساد على مستوى العالم لأن هذه الأنشطة تتم سراً، ويتخلل الفساد جميع مستويات المجتمع من الموظفين العموميين ذوي المستوى المنخفض الذين يقبلون الرشاوى الصغيرة للقيادات الوطنية الذين يسرقون ملايين الدولارات، وأشهر قضايا الفساد في عصرنا الحالي، قضية رئيس إندونيسيا السابق سوهارتو الذي اختلس ما يتراوح بين 15 مليار دولار إلى 35 مليار دولار، وهناك قضية فساد كبيرة أخرى في ماليزيا؛ يجري التحقيق مع رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق بسبب اختلاسه من الشركة الإستراتيجية الماليزية Malaysia Development Birhade- 1MDB التي يرأسها. وزعمت وزارة العدل الأمريكية أنه تم اختلاس 4.5 مليار دولار من هذه الشركة، وقد أشارت الدعوى القضائية إلى نجيب باسم “المسؤول الماليزي 1” الذي يُزعم أنه تلقى أكثر من مليار دولار أمريكي من أموال صندوق الشركة. ونفى نجيب الذي اتهم باستخدام بعض المال لشراء مجوهرات لزوجته ارتكابَ أي مخالفات.
أسباب الفساد في المجتمعات:
أصبح الفساد أسلوباً للعيش في الكثير من بلدان العالم وتكون بشكل خفي، أما للأسف في مجتمعاتنا تكون في أغلب الأحيان بشكل علني ودون أي محاسبة ورقابة؛ كون من وضع القوانين لمكافحة الفساد هم من يكون سبب من أسباب تفشي هذه المرض في المجتمعات، وهناك أسباب ساعدت على ازدياد حالات الفساد في مجتمعاتنا وأهمها:
-الفساد في مجتمعاتنا غالباً ما يكون من رأس هرم السلطة وأصحاب القوة في الإدارة، حيث يقول لاؤو تزو: ” الفساد هو ثمرة القوة دون رقابة”.
-ضعف الرقابة والمراقبة: عندما يكون هناك نقص في الرقابة والمراقبة على الجهات الحكومية والمؤسسات العامة، يتيح ذلك فرصًا لحدوث الفساد او حتى عندما يتحول جهاز الرقابة والمراقبين هم جزء من منظومة الفساد.
– الجشع والرغبات في الحصول على الكثير من الأموال من أجل حياة مترفة.
-تدني مستويات الديمقراطية وضعف المشاركة المدنية وضعف الشفافية السياسية.
-مستويات عاليةً من البيروقراطية، وذلك يساعد على الفساد حيث يلجأ بعض الأشخاص الى دفع الأموال للموظفين من أجل تسهيل وتسريع انتهاء معاملاتهم في المؤسسات الإدارية.
-حرية الصحافة منخفضة؛ حيث من المتعارف في مجتمعاتنا أن هناك سقف محدد من نقد الفساد في الإعلام حتى أنه يتم نقد الفساد في الصحافة في مجتمعاتنا بشكل خجول دون توجيه النقد إلى الجهات العليا في المؤسسات والدول.
-انقسامات عرقية كبيرة ومستويات عالية من المحسوبية داخل المجموعة.
-عدم المساواة بين الجنسين.
-انتشار الفقر؛ عندما يعاني الناس من الفقر والحاجة الملحة، قد يكونون مستعدين لقبول الرشوة أو الاحتيال من أجل تحسين أوضاعهم المادية، وذلك بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
-الثقافة السلبية؛ عندما يصبح الفساد جزءًا من الثقافة والعادات في المجتمع، فقد يكون من الصعب مكافحته والقضاء عليه.
-نقص الشفافية والمساءلة؛ عندما يفتقد النظام السياسي والإداري للشفافية والمساءلة، فإن هذا يعزز حدوث الفساد ويقلل من فرص محاسبة المسؤولين.
-فقدان العدالة، فيقول بلاتو في هذه النقطة:” ينمو الفساد عندما يفقد الناس الثقة في العدالة”.
– سوء إدارة الموارد العامة؛ عندما يتم إدارة الموارد العامة بشكل غير فعال أو غير عادل، فإن هذا يفتح الباب أمام الفساد والاستغلال.
-عدم الاستقرار السياسي؛ في حال حدوث خلل سياسي في بلد ما ذلك يساعد على انتشار الفساد لعدم وجود آلية محاسبة.
-عدوى من دول مجاورة فاسدة.
-انخفاض مستويات التعليم.
-عدم الالتزام تجاه المجتمع.
علاج ظاهرة الفساد
يُعد الفساد تحديًا كبيرًا يواجه المجتمعات في جميع أنحاء العالم، ويتطلب جهودًا متعددة لمكافحته والحد من تأثيره السلبي على التنمية والاستقرار. تتطلب مكافحة الفساد وجود وسائل فعالة للتصدي لهذه المشكلة العالمية فيقول جوزيف ستيغليتزس:” الفساد ليس مجرد مفسدة لقيم الأخلاق، بل هو أيضًا فاسد للمجتمع والاقتصاد”.
سنستعرض بعض الوسائل الضرورية لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية في المجتمع:
- تشريعات قوية وفعالة: يجب وضع قوانين صارمة تجرم الفساد وتعاقب على المتورطين فيه. يجب أن تكون هذه التشريعات شاملة وتغطي جميع جوانب الفساد، بما في ذلك الرشوة واستغلال النفوذ وتبييض الأموال.
- تعزيز الشفافية والنزاهة: يجب تعزيز ثقافة الشفافية والنزاهة في المجتمع وتشجيع المؤسسات والحكومات على العمل بمبادئ الشفافية في إدارة الشؤون المالية والإدارية، يمكن تحقيق ذلك من خلال إجراءات مثل نشر المعلومات العامة وفتح البيانات وتعزيز حق الوصول إلى المعلومات.
- بناء ثقافة المساءلة: يجب أن ترتكب الحكومات والمؤسسات لمبدأ المساءلة وتوفير آليات فعالة لمحاسبة المسؤولين عن الفساد. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز استقلالية السلطة القضائية وتعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة الحكومة.
- تعزيز الوعي والتثقيف: يجب تعزيز الوعي بأضرار الفساد وتثقيف الجمهور حول القيم الأخلاقية والمبادئ الأخلاقية اللازمة لمكافحة الفساد. يمكن تحقيق ذلك من خلال التثقيف في المدارس ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية.
- التعاون الدولي: يجب تعزيز التعاون بين الدول لمكافحة الفساد العابر للحدود.
آثار الفساد على المجتمعات:
للفساد أثار سلبية كثيرة على المجتمعات وأبرزها:
إعاقة النمو الاقتصادي مما يقوض كل مستهدفات خطط التنمية طويلة وقصيرة الأجل.
إهدار الموارد الموجودة في المجتمعات أو على أقل تقدير سوء استغلالها بما يعدم الفائدة المرجوة من الاستغلال الأمثل.
هروب الاستثمارات سواء الوطنية أو الأجنبية لغياب حوافزها.
الإخلال بالعدالة التوزيعية للدخول والموارد وإضعاف الفعالية الاقتصادية وازدياد الهوة بين الفئات الغنية والفقيرة.
إضعاف الإيرادات العامة نتيجة التهرب من دفع الجمارك والضرائب والرسوم باستخدام الوسائل الاحتيالية والالتفاف على القوانين النافذة.
التأثير السلبي لسوء الإنفاق العام للموارد عن طريق إهدارها في المشاريع الكبرى بما يحرم قطاعات هامة مثل الصحة والتعليم والخدمات من الاستفادة من هذه الموارد.
تدني كفاءة الاستثمارات العامة وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة بفعل الرشاوي التي تدفع للتغاضي عن المواصفات القياسية المطلوبة.
إضعاف كل جهود الإصلاح المعززة للديمقراطية بما يتزعزع معه الاستقرار السياسي.
إقصاء أصحاب الكفاءات الوصول للمناصب القيادية التي يمكن من خلالها إصلاح المجتمع وتقديم الخدمات.
انهيار النسيج الاجتماعي وإشاعة روح الكراهية بين طبقات وفئات المجتمع نتيجة عدم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.
وفي الختام، الفساد هو مرض خطير على المجتمعات حيث إذا لم يتم معالجة هذه المرض؛ فذلك ينذر بزوال المجتمع وذهابه إلى الهاوية وسقوطه ونحن كأكاديمية مجتمع ديمقراطي في شمال شرق سوريا وخصوصاً نحن في عصر الديمقراطية بفكر الأمة الديمقراطية، عندما تكلمنا عن الفساد لم نستثن أحد، حتى في الإدارة الذاتية هناك أشخاص ممن لديهم ذهنية السلطوية والجشع وحب المال، ومنهم من جُند من قبل أعداء الإدارة الذاتية حتى يبث سموم الفساد في الإدارة الذاتية من أجل إفشال مشروع الأمة الديمقراطية، وهناك من مازال على الذهنية التقليدية حيث لم يفهم بعد أهداف و مبادئ الأمة الديمقراطية، وهم سبب الفساد في شمال شرق سوريا وهم من يتلاعبون بدماء شهدائنا الأبرار ويرتشون باسم ثورة روج آفا؛ ولذلك علينا وضع قوانين صارمة وعقوبات قاسية لكل من تسول له نفسه بالفساد حتى يكون عبرة لغيره، وكما علينا وضع أشخاص خضعوا للدوارات التدريبية المطولة على فكر القائد عبدالله أوجلان والأمة الديمقراطية في الأماكن الإدارية حتى نستطيع الحفاظ على مكاسب ثورة روج آفا وتحقيق الأفضل لمجتمعنا.