الشمال السوري لواء إسكندرون ثاني _ إعداد:مركز البحوث والعلوم الأجتماعية
الشمال السوري لواء إسكندرون ثاني
تُعدّ الأزمةُ السوريةُ واحدةً من أخطرِ الأزماتِ الإنسانيةِ في العالمِ، حيثُ تُعاني سوريا من حربٍ أهليةٍ مُستمرةٍ منذ عامِ 2011، ممّا أدّى إلى تفاقمِ الأزمةِ الإنسانيةِ وانهيارِ الاقتصادِ. وأسبابُ الأزمةِ، الفساد. وغيابُ الحريات. والتدخلاتُ الخارجية التي لعبتْ دورًا هامًا في تأجيجِ الصراعِ في سورياَ. وكان هناك تداعياتُ لهذه الأزمةِ حيث أدّتْ الحربُ إلى مقتلِ مئاتِ الآلافِ من السوريينَ، ونزوحِ ملايينَ آخرينَ. ونقصٍ في الغذاءِ والدواءِ والخدماتِ الأساسيةِ. وانهيارُ الاقتصادِ وازديادِ معدلاتِ الفقرِ والبطالةِ. انتشارُ الإرهاب. وكانت الجهات المسؤوليةُ عن تعقد الأزمةِ في سوريا، النظامُ السوريّ، المعارضةُ السوريةُ التي فشلت في تكوين كيان سياسي يمثل السوريين بسببِ تشتّتها وانقسامِها وعدمِ قدرتهاِ على توحيدِ صفوفِها. وأصبحوا يشكلون مليشيات لتحقيق مصالح دول آخرى على الأرض السورية مثل الفصائل المولية لتركيا الاخوان المسلمين -السعودية الفصائل السلفية…وغيرها.
وكان دور القوى الدوليةُ دورًا هامًا في مسارِ الأزمةِ السوريةِ، حيثُ تُؤثّرُ مواقفُها ودعمُها لأطرافٍ مُعينةٍ على مسارِ الصراعِ. كما هناك الكثير من الأطراف الدولية لها دور كبير في إطالة الازمة السورية بحكم المصالح السياسية والاقتصادية أهمُّ القوىِ الدوليةِ الفاعلةِ في الأزمةِ السوريةِ:
روسيا والصين وإيران: تُعدّ هذه الأطراف الثلاث من أهمِّ حلفاءِ النظامِ السوريّ، وتُقدمُ لهُ الدعمَ العسكريّ والسياسيّ والمالي. وتسعى تلك الدولِ إلى الحفاظِ على مصالحِها في سورياَ، ومنعِ سقوطِ النظامِ السوريّ.
تركيا: تدعم تركيا بعضَ فصائلِ المعارضةِ السوريةِ، وتُسيطرُ على مناطقَ في شمالِ سورياَ. وكما كان لتركيا الدور السلبي الكبير في الازمة السورية، من منظوري الشخصي من أضعف الثورة السورية هي تركيا. ذلك بسبب تقسيمها للفصائل السورية ودعمها على أساس النهج الاخواني، وكما أرسلتهم الى أذربيجان وليبيا لتحقيق مصالحها وليس مصالح الشعب السوري. وأهداف تركيا هو إحياء الميثاق الملي في المنطقة للسيطرة عليها ومحاربة الشعب الكردي وإنكار وجودهم.
الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ: تدعمُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ بعضَ فصائلِ المعارضةِ السوريةِ، وتُقدمُ لهمُ الدعمَ العسكريّ والماليّ. وكما تقدم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، ولكن السياسة الأمريكية في سوريا ماتزال غير واضحةً، والدليل على ذلك هو عدم إيقاف الهجمات التركية على مناطق شمال شرق سوريا. القواعد الامريكية في سوريا هي من أجل منعِ ِ النفوذِ الإيرانيّ في سورياَ لإجل أمن إسرائيل.
لواء إسكندرون الأول والعلاقات السورية التركية
لواء إسكندرون، المعروف أيضاً باسم لواء الإسكندرونة أو هاتاي، هو منطقة تقع على ساحل البحر المتوسط في جنوب شرق تركيا، على الحدود مع سوريا. وكان لواء إسكندرون جزءاً من ولاية حلب في سوريا العثمانية، ويشكل مرفأها على البحر المتوسط. ضُمّ لواء إسكندرون إلى المملكة السورية التي قامت عقب نهاية الحرب العالمية الأولى. وبعد سقوط المملكة السورية ا بيد الاحتلال الفرنسي، ضُمّ لواء إسكندرون إلى الانتداب الفرنسي على سوريا. وفي عام 1923، تمّ فصل لواء إسكندرون عن سوريا وإعطائه حكماً ذاتياً تحت اسم “سنجق الإسكندرونة”. واجهت هذه الخطوة معارضة شديدة من قبل السوريين الذين اعتبروا لواء إسكندرون جزءاً لا يتجزأ من سوريا. ولعبت كل من فرنسا وتركيا دورًا هامًا في مسألة لواء إسكندرون. رغبت فرنسا في استرضاء تركيا لكسب دعمها في مواجهة التهديدات الإيطالية في البحر المتوسط ومنع دخول تركيا للحرب العالمية الثانية الى جانب دور المحور بزعامة المانيا. كما رغبت تركيا في ضمّ لواء إسكندرون إليها لأسباب تاريخية وقومية.
وفي عام 1937، أصدرت عصبة الأمم قرارًا بفصل لواء إسكندرون عن سوريا وإجراء استفتاء لتحديد مصيره. وتمّ إجراء الاستفتاء في عام 1939 وسط اتهامات بوجود تزوير وتلاعب من قبل السلطات التركية. أظهرت نتائج الاستفتاء رغبة غالبية سكان اللواء في ضمّه إلى تركيا. وذلك ما حدث بالفعل ففي 29 حزيران 1939، ضمّت تركيا لواء إسكندرون إليها وأصبح اسمه “هاتاي”. لا تزال مسألة لواء إسكندرون قضية خلافية بين سوريا وتركيا حتى يومنا هذا ويتأثر هذه الخلاف باختلاف العلاقات السياسية بين البلدين.
المكاسب التي حصلت عليها تركيا من ضم لواء إسكندرون لإراضيها:
1-الأهمية التاريخية: تعتبر تركيا لواء إسكندرون جزءًا من أراضيها التاريخية، حيث كانت تحت الحكم العثماني لعدة قرون. وتركيا تعمل جاهدةً لإحياء أمجاد الدولة العثمانية بشتى الوسائل والطرق وهذه الامر يظهر بشكل واضح من خلال السياسة التي تنتهجها تركيا في المنطقة.
2-الأهمية الاستراتيجية: يقع لواء إسكندرون على ساحل البحر المتوسط، ويضمّ ميناء إسكندرون المهم وبذلك أصبح ميناء إسكندرون ثالث أكبر ميناء في تركيا، ممّا ساعد على زيادة صادراتها ووارداتها. وضمّ اللواء إليها ُعزز من موقعها الاستراتيجي في المنطقة وعزّز من الوجود العسكري التركي على ساحل البحر المتوسط. وذلك يعزز من مكانتها لدى الدول العظمى التي تحاول السيطرة على الشرق الأوسط. وذلك يسمح لتركيا بفرض شروطها بالمنطقة أمام تلك الدول.
3-الأهمية الاقتصادية: زادت مساحة تركيا بنسبة 4% بعد ضمّ لواء إسكندرون يمتلك لواء إسكندرون ثروات طبيعية وموارد اقتصادية مهمة، مثل النفط والغاز الطبيعي. وذلك عزز من التنمية الاقتصادية في تركيا.
هل تحاول تركيا جعل الشمال السوري لواء إسكندرون ثاني؟
هنا لا نقصد فقط الشمال السوري فعلينا التذكير بمناطق شرق الفرات التي ايضاً تمارس تركيا فيها ذات السياسة المتبعة في الشمال السوري ولكن الشمال السوري مهم جداً لتركيا، وعندما نقول عن محاولة تركيا جعل الشمال السوري والمناطق المحتلة في شرق الفرات الى لواء إسكندرون ثاني فلا توجد إجابة بسيطة على هذا السؤال. حيث علاقة تركيا بالشمال السوري معقدة ومتعددة الأوجه، تاريخياً كانت سوريا جزءًا من الإمبراطورية العثمانية لعدة قرون. وتعتبر تركيا أن شمال سورية منطقة ذات أهمية استراتيجية لأمنها القومي. كما تسعى تركيا لمنع قيام كيان كردي مستقل وتدعم الجماعات السورية المقاتلة ضد وحدات حماية الشعب الكردية. حيث شنت تركيا عدة عمليات عسكرية في شمال سورية ضد وحدات حماية الشعب الكردية. وتسعى تركيا من هذه الإجراءات للحفاظ على دورها كلاعب رئيسي في الحل السياسي للأزمة السورية. كما تتحجج تركيا بقائها في الشمال بإنشاء منطقة آمنة في شمال سورية لإعادة توطين اللاجئين السوريين. من الناحية الاقتصادية تسعى تركيا لجعل سورية، سوق مستهلك للمنتجات التركية. المتابع للتطورات التركية على الأرض في الشمال السوري ويحلل السياسة التركية في الشمال من الناحية العسكرية والسياسية والاقتصادية فأن طبيعة العلاقة بين تركيا والشمال السوري حيث هناك تشابه في الممارسات التركيا بالشمال السوري وشرق الفرات كالتي مارستها في لواء إسكندرون، مثل تغيير أسماء المدن والقرى إلى أسماء تركية. ورفع العلم التركي ليس فقط بنقاط الجيش التركي بل رفعت على كافة المؤسسات التابعة للمعارضة، وجعل العلم التركي بجوار علم المعارضة في كافة المناسبات.
كما تشن تركيا حملة ممنهجة لطمس الثقافة الكردية في المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا. مثل: تغيير أسماء المدن والقرى الكردية إلى أسماء تركية. وهدم المواقع الأثرية والثقافية الكردية. ومنع استخدام اللغة الكردية في التعليم والإدارة. ومصادرة الأراضي الكردية واعتقال النشطاء الكرد. والتغير الديمغرافي للمنطقة.
ومع غياب الحلول السياسية للأزمة السورية فمن المتوقع أن تستمر علاقة تركيا بالشمال السوري والمناطق المحتلة في شرق الفرات في التطور مع تغير الظروف على الأرض. حيث تعتمد طبيعة هذه التطورات على عدة عوامل، مثل: مسار الحرب في سورية. والعلاقات بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة.
تركيا مجرد أداة فعلية خفية للولايات المتحدة الامريكية وروسيا:
كيف جعلت أمريكا وروسيا تركيا كاعصاة فوق رؤوس السوريين؟ قيام كل روسيا وامريكا بسياسة التدخل المشروع بين الدولة والمعارضة جعلت من تركيا العصا الكبيرة فوق رؤوس السوريين للموافقة على السير على النهج الأمريكي الروسي. حيث لعبت كل من الولايات المتحدة وروسيا دورًا رئيسيًا في تمكين تركيا من ممارسة نفوذ كبير على سوريا، مما جعل تركيا لاعب في الازمة السورية ويزيد من آمد تلك الازمة.
فمن ناحية أمريكا: لم تُقدم الولايات المتحدة الدعم الكافي للمعارضة السورية، مما سمح لتركيا بملء الفراغ وتعزيز نفوذها في سوريا. وجعلها الحليف الأمثل أمام المعارضة، وذلك جعل من تركيا تفرض سياستها ومصالحها على المعارضة التي بدورها لم تعترض على أي مطلب تركي.
كما إن دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية والوحدات الكردية كان بشكل خجول، حيث لم يرقى الى الدعم اللازم من الناحية السياسية أمام المجتمع الدولي حتى يقف في وجه الهجمات التركية المتكررة والاقتصادية حيث لم تساهم في فتح مشاريع تحسن من الوضع الاقتصادي بالمنطقة والعسكرية التي كانت بدافع المصالح الأمريكية بالمنطقة، مما أثار رغبة تركيا في الاستمرار بإعمالها العدائية تجاه أبناء المنطقة. وبمزيد من حرية التصرف في الازمة السورية.
اما من ناحية روسيا: التي فضلت دعم النظام السوري وتعتبر روسيا طرف مهم في الازمة السورية كون منذ تدخلها في سوريا عام 2015 تغيرت موازين القوى في البلاد، وتدخل روسيا في سوريا سمح لتركيا بالتنسيق مع روسيا في الملف السوري. أدّى ذلك إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة، مما سمح لتركيا بتوسيع نفوذها في شمال سوريا. كما ساعدت روسيا تركيا في تحقيق أهدافها في سوريا، مثل إنشاء منطقة آمنة على طول حدودها. كون روسيا تنظر الى السياسة التركية في سوريا تساعد النظام السوري على السيطرة على الجغرافية السورية مثل ما حدث في حلب وأطراف إدلب.
نتيجة لهذه العوامل، تمكنت تركيا من فرض نفسها لاعب في الازمة مما جعلها تفرض شروط وتقوم بإعمال ضمن الأراضي السورية دون أي ردع، من تلك الاعمال:
1-شنّ عمليات عسكرية على مناطق شمال وشرق سوريا واحتلال أغلب مدن الشمال السوري (عفرين – إعزاز- رأس العين -تل أبيض- الباب-جنديرس-راجو-جرابلس-دابق-…. الخ)، كل ذلك دون تدخل او تنديد أمريكي أو روسي.
2-إقامة مناطق نفوذ في شمال سوريا، تُسيطر عليها فصائل موالية لتركيا.
من المهم ملاحظة أنّ هذا النفوذ التركي كان له تداعيات سلبية على المدنيين السوريين، حيث أدّى إلى نزوح الملايين من الأشخاص وتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد. وأدى هذا النفوذ التركي الكبير الى شعور السوريين بالخوف والقلق من تصرفات تركيا في سوريا خصوصاً في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية التركية حيث كان هناك رغبة تركيا في التقرب الى النظام السوري مما جعل حياة الكثير من السوريين معرضةً لخطر الاعتقال أو التسليم للنظام. تعقيد حلّ الأزمة السورية، بسبب تعدد الأطراف الفاعلة وتضارب مصالحها.
الوجود الكردي من المنظور الروسي والامريكي وخطورته بنشر الحرية والديمقراطية في الشرق الاوسط.
الكرد من منظور روسيا:
تعتبر روسيا أنّ الوجود الكردي في سوريا يُشكل تهديدًا لمصالحها في المنطقة. وتعارض روسيا أيّة كيانات ذاتية الحكم في سوريا. وتُسعى روسيا إلى الحفاظ على وحدة سوريا تحت سيطرة نظام الأسد. فهي تعارض فكرة الإدارة الذاتية والفدراليات.
الكرد من منظور الولايات المتحدة:
تُعتبر الولايات المتحدة أنّ الوجود الكردي في سوريا يُمكن أن يكون حليفًا هامًا في محاربة داعش فقط. حيث أمريكا ليس لديها أي نية حقيقة في إيجاد حل للكرد وكما قلنا دعم الولايات المتحدة للكرد في سوريا بمقتضى المصالح الامريكية في المنطقة هذه حقيقة علينا إدراكها. حيث لم تقدم الولايات المتحدة الامريكية الدعم لقوات وحدات حماية الكردية الا في نهاية عام 2014 ولم نرى وجود أمريكي في المعارك التي خاضتها وحدات حماية الكردية منذ 2011 حتى أواخر عام 2014 وذلك بعدما شكل داعش خطراً على مصالحها في المنطقة.
أما فيما يخص خطورة الوجود الكردي بنشر الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط:
في هذه النقطة علينا تحليل مرجعية الكرد في الحرية والديمقراطية وهي أفكار القائد عبد الله أوجلان. حيث إن أفكار القائد عبد الله أوجلان حول الحرية والديمقراطية تشكل خطرًا على تركيا وامريكا وروسيا؟ بتفسير أفكار القائد عبد الله أوجلان حول الحرية والديمقراطية فإنها تقوم على:
1-تعزيز حقوق الإنسان: يؤكد القائد عبد الله أوجلان على تعزيز لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، مما قد يؤدي إلى تحسين حياة جميع المواطنين في الشرق الأوسط.
2-دعم الديمقراطية: يؤكد القائد عبد الله أوجلان على أهمية دعم الديمقراطية والمشاركة السياسية، مما قد يؤدي إلى تقوية المجتمع المدني في الشرق الأوسط حيث تعزز الديمقراطية سبل الاستقرار في دول الشرق الأوسط.
3-تعزيز السلام: لطالما كان القائد عبد الله أوجلان يدعوا للسلام والوئام بين مختلف المجموعات العرقية والدينية، حيث إن السلام يؤدي إلى تقليل الصراعات في المنطقة.
4-حرية المرأة: يؤكد القائد عبد الله أوجلان على إن حرية أي مجتمع لابد أن تكون من حرية المرأة في ذلك المجتمع، كون من خلال تفعيل دور المرأة في المجتمعات المنغلقة على ذاتها ومشاركة المرأة بشكل فعّال في الحياة السياسية والاجتماعية وكسر القيود الاجتماعية والثقافية التي تُعيق مشاركة النساء في الحياة العامة. يساعد ذلك في بناء مجتمعات أكثر ديمقراطية وحرية بالشرق الأوسط.
هذه الأفكار التي تنبع من الكرد في الشرق الأوسط هي أفكار محاربه من قبل الدول والأنظمة القوموية الرأسمالية التي لا تريد للشرق الأوسط حالة من الاستقرار والديمقراطية والحرية والمساواة.