أكاديمية المجتمع الديمقراطي

التنوع الثقافي والاجتماعي للمجتمع السوري _ حسام الاحمد

0 807

التنوع الثقافي والاجتماعي للمجتمع السوري

مقدمة

يعتبر المجتمع السوري مجتمعاً تعددياً إذا يوجد بين فئاته تنوع عرقي وديني ولغوي. خلال سنوات طويلة حدث تعايش مدهش بين المجموعات الثقافية والاجتماعية، لكن موضوع التعايش بين مختلف الفئات في المجتمع السوري كان على الدوام يتحول الى صيغة الحماية من قبل السلطة الحاكمة أياً تكن هذه الفئة بهدف بقاء هذه السلطة على سدة الحكم. مع العلم أن مختلف فئات المجتمع السوري تعايشت مع بعضها البعض لآلاف السنين دون الحاجة الى الحماية السلطوية والأمنية الدولتية.

أن محاولة النظام البعثي وضع المجتمع في بوتقة الأنصار على مدى ما يزيد عن 50 عام فشلت، بدلاً من تكوين فسيفساء متفاعلة في إطار دولة مدنية ديمقراطية، بالعكس تم إعاقة حدوث تفاعل واسع النطاق بين فئات المجتمع السوري حيث النظام الأمني الذي استحكم في مفاصل المجتمع السوري وبنيته الثقافية لعقود طويلة عطل الدور الإيجابي في الحفاظ على السلم الأهلي وقيم العيش المشترك.

تواجه سوريا واحدةً من أكثر الكوارث التنموية والإنسانية حدةً في التاريخ الحديث، حيث دُمر الاقتصاد، ورأس المال البشري والثقافي والاجتماعي ناهيك عن التخلخل الذي أصاب الهوية الوطنية. وهذه الكارثة تُسيُّرها وتُذكرها قوى التسلط والنظام الدولتي السلطوي على المستويين الوطني والدولي، مسببة هدر الإنسانية في سوريا. لذلك شهدنا في سوريا حالة من الخراب والتشتت على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الحياتية للسورين.

كانت سوريا على مر العصور ملتقى حضارات وثقافات متباينة، ما جعلها واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط تنوعاً دينياً وعرقياً وثقافياً.

تعاقبت على البلاد التي تعد من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في العالم حضارات عدة، بدءاً من ممالك إبلا وماري وأوغاريت، مروراً بالحيثيين والآراميين، ثم الآشوريين والبابليين والكوتيين والحوريين والمديين والفرس. لاحقاً، خضعت لحكم الإسكندر المقدوني والهيلينيين، تلاهم الرومان والبيزنطيون، وصولاً إلى الحكم الإسلامي الذي جعل دمشق عاصمة للأمويين. وحكمها العثمانيون ثم خضعت للانتداب الفرنسي حتى استقلالها عام 1946؛ مما شكل فسيفساء مميزة فيها. اذ شكلت سوريا مركزاً حضارياً مهماً، حيث كانت تعبرها طرق التجارة الرئيسية.

أهمية دراسة التنوع الثقافي والاجتماعي في فهم المجتمع السوري.

مع سقوط نظام حكم الاسد الابن كان لابد من تسليط الضوء على التنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا حيث اليوم تعيش سوريا على مفترق طرق بحكم ما عانت المنطقة في ظل حكم حزب البعث البائد فقبل صعود حزب البعث الى السلطة كانت تعيش سوريا فتره من الرخاء الديمقراطي وأخص بالذكر من عام 1954 والى 1958 حيث في تلك الفترة وما قبلها كانت تسمى سوريا بالجمهورية السورية وهذه يدل على احترام حكومات تلك المرحلة للتنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا. ولكن مع انقلاب حزب البعث 1963 أصبح التنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا يعاني من التصدعات والشروخات وازدادت حددها في عهد الأسد الاب والابن حيث عانى التنوع الثقافي والاجتماعي من التهميش والتمييز والاستغلال.

يُعتبر التنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا عنصر قوة إذا تم استثماره بشكل صحيح لبناء مجتمع متماسك ومستق لذلك تعد دراسة التنوع الثقافي والاجتماعي أساسية لفهم المجتمع السوري من نواحي متعددة ومنها:

1- فهم الهوية الوطنية السورية:

التنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا يتضمن قوميات متعددة (عرب، أكراد، سريان، آشوريون، أرمن) وأديان وطوائف مختلفة (مسلمون سنة، علويون، دروز، مسيحيون). فهم هذا التنوع يساعد في تعزيز الهوية الوطنية الجامعة التي تتجاوز الانتماءات الضيقة.

2- تعزيز التعايش السلمي:

من خلال فهم الخلفيات الثقافية والاجتماعية المختلفة، يمكن تعزيز قيم التفاهم والتسامح بين مكونات المجتمع السوري، مما يقلل من فرص الصراعات الطائفية والعرقية. وتحقيق المصالحة والعدالة وتعزيز مفاهيم التسامح وإعادة التفاعل المجتمعي.

3-الإثراء الثقافي:

التنوع يسهم في إغناء الثقافة السورية من حيث الأدب والفن والموسيقى والعادات والتقاليد، مما يعكس صورة حضارية غنية عن المجتمع.

4-الإدارة السياسية والاجتماعية:

فهم التنوع يساعد صانعي السياسات على وضع استراتيجيات تراعي خصوصيات كل فئة اجتماعية أو ثقافية، مما يحقق تمثيلًا عادلًا لجميع المكونات. وإن إدراك التنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا يساعد على تعزيز الحوار والتواصل الأفضل بين أفراد المجتمع، ويعزز الفهم الأعمق لتاريخها المعاصر.

المجتمع السوري مجتمع غني بالأعراق

سوريا أشبه بحديقة متنوعة الازهار لكل زهره لونها وعطرها الخاصة التي تضيف الجمالية للمجتمع السوري. ولا يقتصر التنوع السوري على البعد الديني فقط، بل يمتد ليشمل مجموعات عرقية متعددة مثل العرب والأكراد والأرمن والتركمان والشركس وغيرهم.

العرب هم الأغلبية في سوريا، يليهم الأكراد. حيث يتوزعون في مناطق الحسكة ومدينة القامشلي وكوباني وعفرين وأحياء في دمشق وحلب واللاذقية وحماه، وتعرض الأكراد السوريين للكثير من التهميش والقمع والحرمان من الحقوق الأساسية، فلم تعترف الحكومات المتتالية بالهوية الكردية، ومنعتهم تلك الحكومات من استخدام اللغة الكردية في مدارسهم أو في الصحف والكتب وحتى الاحتفال بعيدهم القومي ” عيد النوروز” الذي يصادف 21 آذار من كل عام.

اما الأرمن الذين ينحدرون من أرمينيا التاريخية هم أيضاً جزء من النسيج الوطني السوري، ففي عام 1915 هاجروا بأعداد كبيرة هرباً من المذابح التي ارتكبها الجيش العثماني بحقهم (مجازر الأرمن). ومعظم الأرمن يعتنقون الديانة المسيحية ولهم لغتهم الخاصة. ويتوزعون في حلب والقامشلي وكوباني والساحل السوري ودير الزور ودمشق.

التركمان وصل إلى أراضي سوريا والعراق وإيران في القرن الحادي عشر (العهد السلجوقي). وبالنسبة لسوريا يتمركز التركمان، في منطقة جبل التركمان في اللاذقية بالقرب من الحدود التركية، وكذلك في حلب وإدلب وحمص وطرطوس ومنطقة دمشق. لقد مُنع التركمان من الكتابة أو الحديث بلغتهم التركمانية ولم تعترف الحكومة بهويتهم العرقية.

أما الشركس الذين تعود أصولهم إلى القوقاز، وصلوا سوريا بين عام 1872 او 1878، وهناك سكنوا بثلاث مناطق رئيسية هي محافظة القنيطرة، وكانت تضم الكتلة الكبرى منهم في الجولان قبل احتلال إسرائيل للجولان، ومنطقة حلب، وفي مدينة دمشق، وبعض القرى في ضواحيها. والشركس مسلمون سنّة.

التنوع اللغوي في المجتمع السوري

تعتبر اللغة والدين من العناصر الأساسية التي تشكل هوية المجتمع السوري المتنوع. كما تعتبر اللغة وسيلة لنقل الموروث الثقافي وتعكس الأساليب التقليدية والقيم المتبعة في المجتمع. ولهذا السبب، تُعدّ اللهجات بمثابة قنوات لتبادل الثقافات والأفكار، حيث يجسد كل لهجة حياة سكان منطقة معينة وطبيعة علاقاتهم مع محيطهم. فالفنون والأدب، بما في ذلك الأغاني والأمثال الشعبية، تعبر من خلال هذه اللهجات عن تجارب الناس وأحاسيسهم. يتجلى هذا التأثير في الشعر والنثر والفنون المسرحية التي تُكتب باللهجات المحلية، مما يزيد من غنى التنوع الثقافي.

من الأهمية بمكان الحفاظ على هذا التراث اللغوي من خلال التعليم والممارسات اليومية. فكلما اعتٌز الناس بلهجتهم، كلما كانت لديهم فرصة أكبر في تعزيز هويتهم الثقافية في وجه التحديات العالمية. إنّ تعزيز استخدام اللغة العربية باللهجات السورية يُعتبر خطوة أساسية للحفاظ على التنوع الثقافي، ويُشجع على الفخر والانتماء بين الأجيال الجديدة. هذه الجهود تساهم في حماية الذاكرة الثقافية السورية وتضمن استمراريتها في الفضاء الثقافي العالمي

يتم استخدام اللغة العربية بشكل واسع في البلاد وهي لغة رسمية في التعليم والدوائر الرسمية، إلا أن هناك لغات أخرى تُستخدم في المجتمع السوري مثل: الكردية والسريانية والأرمنية، مما يعكس التنوع الثقافي الموجود في سوريا. هذه اللغات تساهم في إغناء الثقافة المحلية وتعزز من التواصل بين مختلف الجماعات. تستمر هذه الفسيفساء اللغوية في التأثير على الهويات الإقليمية والفردية لأبناء الشعب السوري.

التنوع الديني في المجتمع السوري

لقد تأثر المشهد الثقافي في سوريا بشكل كبير بالديانات المتواجدة في سوريا، كالإسلام والمسيحية والا يزيدية والدرزية واليهودية. لعبت هذه الديانات دورًا محوريًا في تشكيل الهوية الثقافية للسوريين، حيث أدت إلى تبادل الثقافات واللغات والفنون

تحتضن سوريا طوائف دينية متعددة. حيث يشكّل المسلمون السنّة غالبية السكان في البلاد. والتي تتنوع في أعراقها بين العرب، والكرد والشركس والشيشان، بعض التركمان. ويتوزع السنّة في معظم المدن والقرى السورية، مع كثافة ملحوظة في دمشق وحلب وحمص.

إلى جانب السنّة، هناك جماعات إسلامية أخرى، بما في ذلك العلويون الذين يعيشون في الساحل السوري والإسماعيليون الذين يعيشون في مدينة السلمية التي تقع على بعد 30 كم شرق مدينة حماة، كما توزعوا في عدد من المدن والقرى المحيطة بحماة مثل مصياف والقدموس ونهر الخوابي.

أما الدروز الموحدون أي المؤمنون بتوحيد الإله، هي طائفة أسسها محمد بن إسماعيل الدرزي -المعروف بأنوشتكين- في القرن الـ 11 ميلادي. تتضمن معتقدات الدروز خليط من مفاهيم الإسماعيلية، والإسلام الشيعي، والغنوصية، والأفلاطونية، والمسيحية. وغيرها من الفلسفات، ويعرفون ويسمون الدروز أنفسهم بــ «أهل التوحيد، ولكن بعض الباحثين يعتبرونها عقيدة مستقلة بحد ذاتها. وكان للدروز دور كبير في محاربة الاحتلال الفرنسي لسوريا، حيث أشعلوا نيران ثورة سوريا الكبرى عام 1925.وتعيش الغالبية الدرزية في مدن السويداء وصلخد وشهبا والقريا في جبل العرب وجرمانا قرب دمشق ومجدل شمس في الجولان السوري المحتل.

المسيحية، كانت سوريا مركزاً حضارياً مهماً للديانة المسيحية إذ يوجد العشرات من الكنائس والأديرة الشاهدة على ذلك. وما يزال معظم المسيحيين يقطنون مدن دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية الحسكة. ويتوزعون بين طوائف عدة، منها الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية، ومع اندلاع الحرب هاجر كثيرون خارج البلاد.

الإيزيديون الذين ينتشرون في مدينة الحسكة والقامشلي وقراها وحلب وريفها وكذلك عفرين. يتحدث الإيزيديون اللغة الكردية بشكل رئيسي. لا توجد أرقام رسمية حديثة لعدد الإيزيديين في سوريا.

تتمثل أهمية الدين في الحياة اليومية برموزه وممارساته، حيث يتم الاحتفال بالأعياد مثل عيد الأضحى والفطر وعيد الميلاد، وعيد النوروز والأربعاء الأحمر. هذه الأعياد تعكس المعتقدات والأوجه الرئيسية لكلا الدينين، وتساهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية. كما تلعب الطقوس الدينية دورًا في تعزيز الروابط الأسرية والمجتمعية، حيث يتجمع الناس في المساجد والكنائس لأداء العبادات والمشاركة في المناسبات الاجتماعية. كما تُعد الأديان أيضًا مصدرًا للتوجيه الأخلاقي والقوانين الشرعية التي توجه سلوك الأفراد والمجتمعات

تظل اللغة والدين عنصرين مترابطين في نسيج المجتمع السوري، حيث تساهم هذه التفاعلات في تعزيز هوية وطنية جامعية. وفي ظل التحديات الحالية، يبقى الالتزام بالتنوع واحترام الهوية الفردية حجر الزاوية لاستقرار المجتمع وأمنه.

العادات والتقاليد المشتركة في المجتمع السوري

تشترك جميع المكونات الثقافية في المجتمع السوري من ناحية العادات والتقاليد المجتمعية مثل الكرم وحسن الضيافة الزفاف القصص المتوارثة من جيل الى جيل والتسامح والتآخي وتقديم المساعدة للمحتاج ولاحظنا ذلك خلال سنوات الحرب التي عانت منها سوريا. كما تعتمد كل تلك الثقافات، على التجارة والزراعة وتربية المواشي كمصدر للدخل.

كما تعتبر الموسيقى الشعبية السورية جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية للبلاد، حيث تعكس التقاليد والتراث الشعبي الغني الذي يمتاز به المجتمع السوري. منذ قرون، كانت هذه الموسيقى وسيلة للتعبير عن الأحداث اليومية والاحتفالات والمناسبات الاجتماعية، مما ساهم في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء بين الأفراد.

أما الفروق الثقافية والعادات المميزة لكل ثقافة في المجتمع السوري، تشمل اللغة الزي الفلكلوري والمناسبات والاعياد الخاصة بكل ثقافة. حيث تُقام العديد من الاحتفالات والمهرجانات على مدار العام، مثل عيد نوروز وعيد الميلاد وعيد الفطر والاضحى والأربعاء الاحمر في هذه الأعياد تتبادل كل المكونات التهاني والزيارات. تُعدّ الموسيقى والرقصات من أهم أشكال التعبير الثقافي في المنطقة.

التحديات التي تواجه التنوع الثقافي والاجتماعي في المجتمع السوري وماهي الحلول؟؟

هناك العديد من المخاطر والتحديدات التي تهدد هذا التنوع، أبرزها:

1-النزاعات المسلحة التهجير القسري:

على الرغم مما عانت الحياة الثقافية والاجتماعية في سوريا الكثير من الاستغلال من قبل السلطة الحاكمة عبر العصور الا أنه بعد عام 2011 ومجريات الاحداث والثورة السورية دفعت بكثير من العاملين في المجال الثقافي والأكاديمي الى الهجرة خارج البلد بسبب الأسلوب القمعي الذي انتهجه النظام السابق من تضيق وقمع حرية التعبير والملاحقات الأمنية والمنع من السفر، ان غياب المثقفين والعاملين في المجالات التعليمية والثقافية والفنية هو خسارة كبيرة.

أثرت الحرب في سوريا بشكلٍ عميق على تركيبة المجتمع السوري، حيث تسببت الاشتباكات والنزاعات في نزوح عدد كبير من السكان من منازلهم، مما أدى إلى تفكك الروابط الاجتماعية التقليدية. فقد أُجبر العديد من السوريين على ترك مناطقهم الأصلية بحثًا عن الأمان، وما نتج عنها من تغير ديموغرافي، حيث فقدت بعض المناطق تنوعها الثقافي والاجتماعي، لقد أسفرت هذه التغيرات بأزمات نفسية وعاطفية نتيجة الفقدان والمعاناة. فقد أثر هذا الأمر بشكل كبير على الفرد السوري، الذي واجه ضرورة التكيف مع ظروف الحياة الجديدة التي غلب عليها عنصر عدم الاستقرار.

2- الصراعات السياسية بين القوى الإقليمية والدولية حول سوريا

الفكر السائد في المجتمع السوري حيال التنوع الثقافي والاجتماعي تاريخياً كان يتمتع بالتعايش السلمي والمحبة والتآخي والتفاعل فيما بينهم، لكن في ظل ما عانت سوريا خلال حقبة حكم البعث والاسد الاب والابن والثورة السورية التي استمرت 14 عام تغير ذلك الفكر فمع تنامي التأثير الدولي والإقليمي في سوريا -خصوصاً الدول الفاعلة- من خلال دعم أطراف وثقافات معينة على حساب أخرى، مما أدى إلى خلق بيئات متصارعة. فكانت النتيجة الأساسية لهذا التأجيج، هو التلاعب بالمكونات والحدّ من التفاعل بينها، وقطع العلاقة بينها ودفعها إلى التقوقع على ذاتها، ليصبح المجتمع السوري مجتمعاً متصارعاً لا متوازناً ظهرت تبعات ذلك من خلال الشروخ الاجتماعية والتهميش بين المكونات السورية. فبعض المجموعات الدينية والعرقية والثقافية تعرضت للاضطهاد والعنف، وتفكك النسيج الاجتماعي في سوريا، حيث أصبح الناس أكثر انقساماً وتوجهاً نحو جماعاتهم الدينية والعرقية. ونتيجة لذلك أصبحت أطراف الصراع تابعةً لطرف اقليمي ذات طابع طائفي ديني عرقي مما يجعل المشهد السوري أكثر غموضاً وضبابية.

3- مواقع التواصل الاجتماعي

لدى مواقع التواصل الاجتماعي تأثير مزدوج في مجال التنوع الثقافي والاجتماعي، فهي سلاح ذو حدين، حيث تتيح المنصات للأفراد من مختلف الثقافات تبادل الأفكار والعادات، مما يعزز فهمًا أعمق للتنوع الثقافي وتُساعد في نشر الفنون والموسيقى واللغات، مما يُسهم في إثراء المعرفة الثقافية. كما توفر مواقع التواصل سهولة الوصول إلى المعلومات عن ثقافات متنوعة، مما يُشجع على قبول الاختلافات وتقديرها. وتمنح الأفراد فرصة للتعبير عن هويتهم الثقافية وعرضها على نطاق عالمي.

بالرغم من دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الثقافات، ألا أنه يمكن أن يؤدي انتشار المعلومات المغلوطة أو المضللة حول الثقافات أو القضايا الاجتماعية قد يُشوه الحقائق ويُضعف فهم التنوع بهدف تعزيز خطابات تحض على الكراهية والعدائية من أجل تحقيق غايات ومصالح شخصية وسياسيةً.

الحلول الممكنة:

1-تعزيز الحوار بين الثقافات لبناء جسور الثقة بين مختلف الطوائف والمجموعات.

2-إعادة بناء النظام التعليمي ليشمل مواد تعزز قيم التعايش والتنوع.

3- تشجيع سياسات حكومية تقوم على الديمقراطية الشاملة التي تحترم التنوع وتدعم جميع المكونات الثقافية والاجتماعية.

4- فتح المجال أمام المنظمات المجتمعية والأهلية للعب دورًا بارزًا في خلق بيئات داعمة للمبادرات التي تساهم في تعزيز التواصل والحوار الثقافي والمجتمعي في المجتمع السوري.

5-الحكم اللامركزي حيث يمثل بديلاً عن فكرة الهيمنة والسيطرة فهوا يركز على الحوار بين الهويات وتقاسم الفرص والثروات بين المكونات، وتتمثل أبرز إيجابيات الحكم اللامركزي الاعتراف الدستوري بوجود المكونات، والسماح للأقاليم بإجراء تجاربها الخاصة في الإدارة.

 

الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال شرق سوريا ودورها في حماية التنوع الثقافي والاجتماعي

تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا هي تجربة جديدة لم تعهدها سوريا بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام، فهي نموذجًا سياسيًا واجتماعيًا يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على التنوع الثقافي والاجتماعي في المنطقة، التي تضم خليطًا متنوعًا من الأكراد، والعرب، والسريان، والأرمن، والآشوريين، والتركمان وغيرهم. هذا النموذج يقدم إطارًا جديدًا لإدارة شؤون المنطقة في ظل الأزمة السورية المستمرة. ويبرز دور الإدارة الذاتية في ذلك من خلال: إدارة محلية شاملة تمثل كافة المكونات العرقية والدينية في شمال وشرق سوريا، مما يعزز الشعور بالمشاركة في صنع القرار ويقلل من التوترات بين المجتمعات المحلية. توفير الأمن من خلال قوات محلية من أبناء المنطقة بمختلف مكوناتها. الاعتراف بلغات المنطقة كلغات رسمية، مثل الكردية، والعربية، والسريانية، مما يعزز الحفاظ على الهويات الثقافية واللغوية للمجتمعات المختلفة. إحياء التراث الثقافي من خلال النشاطات الثقافية والفنية التي تبرز التقاليد المحلية، وتعمل على حماية المواقع الأثرية والتاريخية. وهذه السياسة تساهم في تعزيز التعايش السلمي.

في نهاية المطاف، يتطلب المستقبل مزيدًا من الجهود لتعزيز الروابط الاجتماعية وإعادة بناء الثقة بين الأفراد في سياق الفوضى الناتجة عن الحرب وتعزيز روح التسامح والتآخي وانتهاج نظام سياسي يقوم على الديمقراطية والحكم اللامركزي، ودعم ترابط الأجزاء في العلاقات الخارجية لضمان تحقيق السلام والاستقرار في منطقة تتطلع إلى إحياء ثقافتها المتنوعة وهوياتها الغنية. بعد عقود طويلة من الاستغلال والقمع والظلم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.