أكاديمية المجتمع الديمقراطي

 الشعب الأرمني

إعداد : محمد كمال

0 1٬187

 الشعب الأرمني

 

تعتبر مسألة الشخصية مهمة في المجتمعات البشرية. يُعرف المجتمع من خلال الشخصيات الذي ظهرت في تاريخها القديم والحديث. لولا ظهور الشخصيات لما كان بإمكاننا الحديث عن أي مجتمع كان. أو بمعنى آخر لا يمكن معرفة مجتمع ما إلا من خلال شخصيات أفراده وتأثيرهم على هذا المجتمع.

حينما نتكلم عن الشخصية بطبيعة الحال نتحدث عن الشخصية الإيجابية التي لعبت دوراً مهماً في تطوير مجتمعاتهم والتي يتم تقديسها من قبل المجتمع كأبطال وشجعان، الذين فضلوا مصالح شعبهم على مصالحهم الشخصية. وبفضل هؤلاء تمكنت الشعوب من إتمام مسيرتها عبر التاريخ وتركت بصمات في منعطفات تاريخية مهمة.

من هذه الشعوب والمجتمعات التي مازالت تدوم سيرورتها إلى يومنا هذا هم الأرمن.

حسب الدراسات اللغوية والآثارية الحديثة والتقليد المتوارث القديم فـ هم شعب ينتمي إلى المجموعة الهندو-أوروبية، يعود وجودهم في أرض أرمينيا التاريخية-الهضبة الأرمنية (تقع حالياً في تركيا) إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وقد تكونت الأمة الأرمنية من العناصر الآرية والأورارتية والحثية، وقبائل منطقة وان، ومن القبائل التي استوطنت شرقي الأناضول، وكان ذلك نحو القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. وفي تلك الحقبة بدأت تظهر على النقوش كلمة «أرمينية».

هناك سمات تميز هذا الشعب بصفات أهمها: الهدوء وتحمل المشاق إِلى جانب الحيوية والنشاط والقدرة على الإِنجاز، ويذكر المؤرخ اليوناني هيرودوتس عن علاقات أرمينيا أن الأرمن كانوا ينقلون البضائع عبر نهر الفرات بالمراكب إلى بابل، حيث كانوا يبيعونها.

تأثر الأرمن بديانات الدول التي حكمت بلادهم من الفرس والإِغريق، وقد تركت هذه الدول بصماتها الدينية على المعتقدات الروحية للأمة الأرمنية، فكانت تعبد الإِله «أهورامزدا» والإِله «ميثرا» ممثل الشمس والنور والنار عند الفرس والكرد، وقد سماه الأرمن «ميهر»، كما عبدوا آلهة أخرى تقابل الآلهة اليونانية، وإِن ظهرت وفق أشكال أرمنية محلية . وعند ظهور الديانة المسيحية صار لها أتباع وأنصار من الأرمن، وقد عانى هؤلاء من الاضطهاد في أيام خسرو (سنة 230م) ودرتاد الثالث. ثم إِن الملك درتاد اعتنق الديانة المسيحية وجعلها دين الدولة الرسمي عام 310م. وكان ذلك بتأثير غريغور بن أناك المعروف بالمنوّر. ودانت أرمينيا بالمسيحية قبل أي دولة في العالم، وأصبح غريغور الرئيس الأعلى للكنيسة برتبة «جاثليق».

وغدا غريغور المنوّر شفيع أرمينيا، ونسبت إِليه كنيستها فعرفت بالكنيسة الغريغورية الأرمنية. إنّ الكنيسة الأرمنية مستقلة عن الكنائس المسيحية الأخرى وتسمى منذ سنة 506م بالكنيسة الرسولية المقدسة والجامعة. وللكنيسة الأرمنية تسع رتب لخدمة الدين، أولها الجاثليق (الكاثوليكوس) الذي يعدّ أكبر سلطة دينية وروحية لدى الأرمن، وللكاثوليكوسية الأرمنية اليوم مركزان واحد في اتشميازين (في جمهورية أرمينيا)، وآخر في انطلياس في لبنان. وقد دخلت الكنيسة الأرمنية المجلس المسكوني للكنائس عام 1962م، وهي تعمل بنشاط في حركة تجميع الكنائس غير الخلقدونية. يمتلك الأرمن أبجدية ولغة خاصتين. تم اختراع الأبجدية الأرمنية في 405 ميلادي من قبل القديس ميسروب مشدوتس وتتألف من ثمانية وثلاثين حرفاً، منها حرفان أضيفا خلال الفترة الكيليكية.

بقي الأرمن طول المدة من القرن الثاني عشر إِلى الخامس عشر الميلادي يقاسون من الاكتساحات الطورانية (السلجوقية والمغولية والتركمانية)، فبعد وفاة تيمورلنك خضعت أرمينيا لحكم أوزون حسن (حسن الطويل) من الآق قيونلو (1453-1478م) الذي حكم البلاد الإِيرانية وبلاد الكُرْج وأرمينيا. وفي هذا العهد بدأ التركمان يكوّنون العنصر الغالب في أرمينيا إِلى جانب السكان الأصليين والكرد البداة، وكانت هناك قبيلتان تركمانيتان قد هاجرتا إِلى أرمينيا والأناضول هما: آق قيونلو (الشاة البيضاء) وقره قيونلو (الشاة السوداء) واستقرتا فيها. وكانت وفاة أوزون حسن (سنة 1478م) إِيذاناً بانحلال دولته وطمع شاه إِيران إِسماعيل الصفوي فيها، فأخذ يضم إِلى بلاده بالتدريج كل ما بقي منها لاسيما أرمينيا. ولكن ذلك أثار عليه جاره العثماني محمد الثاني (استولى القسطنطينية) فنشبت الحرب بينهما، وكانت نتيجتها وضع أرمينيا تحت حكم العثمانيين. وحاول الشاه إِسماعيل استعادة الأراضي بعد موت محمد الثاني، فتغلب عليه سليم الأول مرة ثانية واحتل جميع بلاد أرمينيا. وفي بداية القرن السابع عشر الميلادي استولى عباس الأول شاه إِيران على إِقليم أرارات الأرمني بإنهاء حكم الأتراك العثمانيين، واجتاح أذربيجان، فعاد الأتراك واحتلوا البلاد، وأمر الشاه عباس بحرق إِقليم أرارات وما فيه من كنائس حتى لا يبقى لأعدائه شيء ينتفعون به. فاضطر أهالي البلاد من الأرمن إِلى النزوح عنها قاصدين أصفهان، حيث أنشأ الشاه لمن بقي منهم مدينة أسماها «جولفا». ثم كان لزعماء الكرد أثر في انتقال بلاد أرمينيا من أيدي الفرس إِلى أيدي الترك، إِذ أصبح للكرد على مرّ الأيام مناطق كثيرة تخضع لسلطانهم المطلق، وقد استمرت المعارك بين الفرس والأتراك العثمانيين حتى سنة 1627م حين وقعت بينهما معاهدة سلام تخلى الشاه بموجبها عن إِقليم أرمينيا وبلاد الكُرْج إِلى العثمانيين. وفي عام1735م عادت بلاد الكُرْج إِمارة تابعة لنادر شاه الذي استطاع أن يبسط نفوذه على أرمينيا. ولكنه لّما رأى أنه غير قادر على حماية البلاد من العثمانيين ترك للروس أمر حمايتها، فوضع الروس يدهم على هذا الإِرث الذي مدّ سلطانهم أول مرة على بقاع أرمينيا، وأعطاهم الحق بها بعد أن تنازل خليفة نادر شاه عن البلاد للقيصر الروسي.

وهكذا انضم إِلى أطراف النزاع طرف جديد هم الروس وكانت أولى المعارك بين الروس والفرس من أجل بلدة جنزرة، وانتهت بصلح كلستان الذي وضعت فيه الحدود الفاصلة بين بلاد القفقاس الخاضعة لروسيا وبلاد فارس. ثم عدلت هذه الحدود في عام 1828م وأضحت كتلة جبل أرارات الكبرى هي الحدود الفاصلة بين الدول الثلاث المتنافسة، وانتقل بموجب هذا الصلح جزء كبير من أرمينيا إِلى حكم ملك مسيحي، كما نص الصلح على أن يكون للمسيحيين الحق في الهجرة إِلى هذا الإِقليم، فاستفاد من ذلك رعايا الشاه من الأرمن، واستقر معظم المهاجرين في ناحية «قره باغ». استمر النزاع بين الروس والعثمانيين وبين العثمانيين والفرس تدخلت فيه إِنكلترا وألمانيا، واضطر العثمانيون إِلى التخلي عن إِقليم «خوطر» الأرمني للدولة الفارسية. كذلك أدى الخلاف بين الروس والعثمانيين على البقاع المقدسة في أرمينيا إِلى حرب جديدة عرفت بحرب القرم وكان ذلك ما بين 1853 و1856، ولما وضعت الحرب أوزارها تمتعت أرميني بالسلام عشرون عاماً، ثم نشبت الحرب مرة ثانية بين روسيا والدولة العثمانية وانتهت بصلح سان ستيفانو الذي أكده صلح برلين سنة 1878 وتخلت بموجبه تركيا لروسيا عن جميع البقاع الواقعة على الحدود الروسية التركية القديمة، وكذلك عن جميع بلاد أردهان وقارص وباطوم.

وكان الأرمن يهاجرون في البدء إِلى روسيا القيصرية حيث يدفعهم إِلى ذلك فكرة الحرية والأمن غير أن روسيا ما لبثت أن عمدت إِلى سياسة الدمج وإِذابة الفوارق القومية والدينية، وسعت إِلى جعل أرمينيا مقاطعة روسية، فأقفلت المدارس الأرمنية وتدخلت في انتخاب «الجاثليق» الرئيس الديني الأرمني. أما الأرمن الباقون في تركيا فقط، حظر عليهم حمل السلاح، وبدأ الأرمن في روسيا يتسلحون ليساعدوا إِخوانهم في تركيا، فخافت روسيا من تزايد قوة الأرمن، وسلحت تتر أذربيجان وسيرتهم ضد الأرمن، فأدى ذلك إِلى اصطدامات في باكو سنة 1905م.

وعندما استولى فرقة الاتحاد والترقي على الحكم في تركيا كان للأرمن يد في مساعدتها. فلما ألغى السلطان عبد الحميد الدستور ألحق بالأرمن اضطهاد قاس، كما لحقهم مثل هذا الاضطهاد في نهاية الحكم العثماني عندما نفذ الأتراك سياسة التتريك. وكانت نتيجة ذلك وقوع ضحايا كثيرة من الأرمن في تركيا، وتهجير الباقون منهم قسراً إلى سورية ولبنان ومصر وقبرص.

ونقول من خلال ماسبق من لمحة تاريخية أنّ الأرمن هم من الشعوب العريقة التي عاشت في تلك المنطقة والتي تعتبر مهد البشرية والحضارات، حيث لعب الشعب الأرمني دوراً مهماً في تاريخ البشرية إلى الجانب الشعوب الأصلية القاطنة في المنطقة من الكرد والسريان والكلدان والآشور والعرب والفرس.

للشعب الأرمني دور ريادي في العصور الحجرية خاصة في العصر الحجري الحديث في تاريخ البشرية من حيث تطوير المهن والزراعة وإنشاء حياة مستقرة. يعتبر الارمن من أوائل الشعوب التي بنت المدن ومارست المهن المختلفة عبر العصور. للرجل الأرمني والمرأة الأرمنية فضل كبير في حياة البشرية لا يمكن إنكارها أو تجاهلها.

فالأرمن من الشعوب التي حافظت على تراثها الثقافي وخصائصها كشعب أصيل لم يتقبل الذوبان والانصهار العرقي والديني. رغم المجازر والتهجير القسري التي فرضت عليهم من قبل الامبراطوريات والدول التي سيطرت على بلدانهم. حيث كانت مقسمة بين ثلاث امبراطوريات في العصور الماضية من الروس والفرس والعثمانيين. حيث أبدت مقاومة لامثيل لها في التاريخ. والعكس من ذلك لعبوا دوراً طليعياً في الثورات ضد الاستبداد في بداية القرن العشرين في كل من ايران الشاهينشاهية وروسيا القيصرية والامبراطورية العثمانية. عرفوا بثوار الجوال في أراضي ثلاث امبراطوريات وتمكنوا من لعب دورٍ مهمٍّ في تحقيق تغيرات دستورية في تلك الدول الطاغية.

رغم كل الهجمات والعمليات التي طالت وجودهم كـشعب تمكنوا من الحفاظ على هويتهم وطوروها إلى يومنا هذا. عندما نتكلم عن الدياسبورة من أوئل الشعوب الذين ذاقوا التهجير القسري وتوزعوا في جميع أنحاء العالم. وأينما وجدوا تمكنوا من لم الشمل الأرمني وحتى أنهم حققوا تطورات مهمة في البلدان التي التجؤوا إليها. في أغلب البلدان شكلوا لوبي أرمني مؤثر وتمكنوا من كسب الرأي العام العالمي ضد المظالم التي تعرضوا لها.

عبر التاريخ القديم والمعاصر دائماً كان هناك كيان سياسي أو ديني يحمي ويجمع الشعب الأرمني من التشتت والانصهار والاغتراب. لعبت العقيدة الدينية لدى الأرمن دوراً مهماً في لم شمل الشعب الأرمني ومنعه من الانصار. تمكنوا من الحفاظ على وجودهم رغم كل حملات الإبادة وتهجير.

عاشر الأرمن جميع شعوب المنطقة خاصة الكرد وتأثروا وأثروا على بعضهم البعض لكن لم يتخلوا عن وجودهم مثلما حدث لكثير من الشعوب .

على مر التاريخ المدوّن يُرى للأرمن آثار ودور يلفت أنظار جيمع المؤرخين. رغم محاولات طمس الحقائق لكن لم يتمكنوا من طمس حقيقة الشعب الأرمني ودورهم في تاريخ البشرية. هم من أوئل الشعوب التي امتهنت الزراعة والتجارة والمهن المختلفة.

في الجغرافيا التي سميت بمزوبوتاميا بفرعيها السفلي والعلوي نلاحظ وجود أرمني واسع في جميع المجالات. كذلك في تاريخ الحضارات لعب الأرمن دوراً مهماً جداً حيث أصبح الجسر الوسيط بين حضارات مزوبوتاميا وبلاد الأناضول والقفقاز. أسسوا مع أشقائهم الكرد كيانات عبر التاريخ وأبرزها هي دولة أورارتو التي كانت مركزها مدينة وان ومازالت آثار هذه الحضارة حية إلى يومنا الراهن.

من المعروف في  تاريخ البشرية أن الشعوب الأصلية ومؤسسوا التاريخ لا يمكن إزالتهم من خلال التحكم وفرض السيطرة عليهم. قد تدوم السيطرة لعصور لكن لن تذوب الشعوب الأصلية. رغم أننا نعلم بأن الكثير من الامبراطوريات التي حكمت هذه الجغرافيا لم تبقى لهم غير الحصون والقلاع المادية والمجازر التي ارتكبوهم في ذاكرة الشعوب.

يعود الفضل الكبير للآباء والأمهات الأرمنية الذين حافظوا على هويتهم وثقافتهم وتحملوا كل مصاعب الحياة ولم يتخلوا عن وجودهم. هنا يبرز أمامنا دور الرجل الأرمني والمرأة الأرمنية. ففي التاريخ تعرض الشعب الأرمني لأبشع أنواع الإبادة الجماعية ومازالت المصالح الدولية تحاول طمس هذه الحقيقة رغم وجود ذاكرة حية والآلاف من الناس عانوا من هذه الإبادة التي ارتكبتها الدولة العثمانية وأتممتها الجمهورية التركية بحق الشعب الأرمني. رغم وجود كيان ديني وسياسي للأرمن ودولة بـاسم أرمينيا لكن لم يتمكن الشعب الأرمني من تثبيت هذه الإبادة بحقهم في المحافل الدولية. فما بالكم بـشعب مثل الكرد الذين تعرضوا عبر تاريخهم لأبشع أنواع القتل والإبادة الثقافية والتغيير الديمغرافي.

من هنا يمكن القول رغم الإبادة التي تعرض لها الشعب الأرمني لكنهم لم يتمكنوا من إبادتهم بالكامل بحكم المقومات الأساسية التي تستند عليها الشعب الأرمني من حيث الثقافة والهوية واللغة والعقيدة. حيث لعبت العقيدة أو الدين دوراً أساسياً في الحفاظ على وجود الشعب الأرمني. وإلا لم يكن بإمكان الأرمن من الحفاظ على هويتهم ووجودهم. كذلك اللغة التي تعتبر من المقومات الأساسية لدى الشعوب؛ حيث يعتبرالأرمن من أوئل الشعوب التي تمكنت من إيجاد أبجدية خاصة بهم كما ذكرناه آنفاً.

قد لا نحتاج إلى مصادر أو دلائل من كتب التاريخ لإثبات ذلك.

إن الأرمن حقيقة حية نعيشها في يومنا الحاضر. من أقرب الشعوب للأرمن هم الكرد. حيث لا يمكننا وضع الفرق الجغرافي، لأنهم عاشو جنباً إلى جنب وذاقوا نفس المرارة وتحملوا كل المصاعب معاً.

حتى الفرق في العقيدة لم تفرقهم عن بعضهم البعض. اختلطوا وتعاشروا حياة مشتركة. رغم محاولات خلق الفتنة والاقتتال بينهم من خلال شراء بعض زمم من الكرد ولأرمن من قبل العثمانيين والروس لأجل خلق فتنة بينهم. حموا بعضهم البعض واحتموا ببعض. من هنا نصل إلى قناعة أن الجذور التاريخية الملتحمة للشعوب لا يمكن لأي قوة خارجية أن تفرقهم.

الضمائر الحية في يومنا تروي لنا قصص كثيرة عن احتماء الأرمن بالكرد أثناء الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحقهم من قبل الدولة العثمانية في زمن الاتحاد والتراقي الطوراني وباستخدام قوى من الكرد بـاسم فيالق الحميدية الذين لعبوا دور السيف القاطع بيد الأتراك الطورانين.

كما ذكرنا سابقاً يعود الفضل الأكبر إلى الرجل الأرمني والمرأة الأرمنية اللذان يشكلان نواة المجتمع الأرمني. المجتمع الأرمني رغم انفتاحه اجتماعياً لكن لم تذوب أو تنصهر ضمن المجتمعات الأخرى. بمعنى أوسع تمكن الأرمن من إنشاء تجمعات خاصة بهم في كل البلدان والمدن التي لجؤوا إليها.

الرجل الأرمني الشجاع قام بحماية نفسه رغم كل المصاعب والمتاعب وتحمل أصعب الظروف الحياتية في سبيل الحفاظ على كرامته والحفاظ على هويته ووجوده. تقبل كل شي لكن لم يتقبل التنازل عن هويته ووجوده. قاوم في كل الظروف لأجل البقاء على الأقدام. الأرمني أينما ذهب حافظ على لغته وهويته الأرمنية. لم يقبل نكران الذات في سبيل لقمة العيش. يعنى أنّ الأرمني عمل بالعقل والاتقان والمهارة في كل شي وفكر قبل أن يبادر إلى أي شي.

إلى يومنا هذا يروي لنا أجدادنا قصص عن الأرمن كيف كانوا يتقنون عملهم وكيف كانوا ناجحين في الحرف والصنعة. على سبيل المثال “أنشأ الأرمن الصحافة الأولى في الدولة العثمانية ولعّل دريان كليكيان الصحفي ومؤسسس أولى الصحف في تركيا والبروفسور في جامعة اسطنبول العثمانيّة أبرز هؤلاء، ولعب أرمن تركيا دوراً في تطوير الأدب الأرمني، وبرزت أسرة باليان الأرمنيّة في مجال العمارة والهندسة ولمدة خمسة أجيال صممت سلالة باليان عدد هام من المباني الرئيسية في الدولة العثمانية بما في ذلك القصور والأكشاك والحمامات العامة والمساجد والكنائس والمباني العامة المختلفة، ومعظمها في الآساتنة”.

” اشتهر الأرمن بالموسيقا والرقص و الرياضة و الفن والنحت والعلوم وأبدعوا فيها، حيث كان هوفانس آدامیان: مخترع التلفزيون الملون، وأرتم إيفانوفيتش ميكويان الذي قام بتصميم سلسلة طائرات ميغ المقاتلة الشهيرة، تيغران بيتروسيان لاعب شطرنج محترف، فاز ببطولة العالم للشطرنج، وأصبح بطلًا للعالم في الفترة الممتدة بين عامي 1963 و1969. لوثر جورج سمجيان مخترع حوالي 200 من اختراع منها: الصراف الآلي، وجهاز محاكاة الطيران، آلة الأشعة السينية الملونة، جهاز محاكاة الغولف وأكثر من ذلك. إميل أرتين: عالم رياضيات ومؤسس علم الجبر الحديث. بينما الموسيقى الأرمنية مزيج من الموسيقى الشعبية المحلية حيث توجد الأدوات الموسيقية مثل الدودوك والدهل والزرنة والقانون في الموسيقى الفولكلورية الأرمنية”.

“اشتهر الملحن الأرمني آرام خاتشاتوريان على الصعيد الدولي من خلال تأليفه للموسيقى الكلاسيكية الأرمنية ومختلف أعمال الباليه. ولن ننسى الحرف اليدوية والمنحوتات الخشبية والتحف والدانتيل الجميلة والصوف والسجاد اليدوي، كما تتمتع صياغة الذهب الأرمنية بتقاليد عريقة”.

رغم اعتناقهم المسيحية لكن لم ينالوا دعم والحماية المطلوبة من الغرب المسيحي. بل تعتبر من الشعوب التي تأذت كثيراً من مقاياضات الغرب المسيحي مع دول الشرق من تركيا وروسيا وإيران. و ضحية مصالح الغرب الامبريالي.

يمتلك المجتمع الأرمني مقومات تاريخية وثقافية واجتماعية قوية. بهذا الخصوص هناك تقييمات مهمة لقائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان حول الأرمن في كتابه حول “القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية” حيث يقول:”لقد أدت المسيحية دوراً عظيماً في انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين خلال القرن الرابع. وكانت معينة في ولادة روما الشرقية، أي بيزنطة. فيما اعتنقت أيضاً روما الغربية المسيحية بعد فترة قصيرة. وما النزعتان الكاثوليكية والأرثوذوكسية سوى تعبير إيديولوجي عن هذا الانقسام. وهكذا غدت اللاتينية لغة التعبير في الثقافة الكاثوليكية، بينما سادت اللغة الإغريقية بين صفوف الأرثوذكسيين. زد على ذلك أن الأرمن والسريان-الكلدان(الآشوريين المسيحيين) أيضاً لم يتخلفوا عن إنشاء مذاهبهم الخاصة. لقد تمت هذه الانقسامات عن انفصالات جذرية في ثقافة الشرق الأوسط. إذ تسارع الانفصال الهيليني والأرمني والسرياني وكانت هذه المجموعات قد تحولت إلى أمم مُصغرة شهدت ولادة مبكرة. تفوقت هذه الشعوب بنسبة كبيرة على الشعوب الأخرى، وبالأخص على القبائل الكردية والعربية سواء مادياً، معنوياً وفكرياً. ولامفر من اتساع الهوى بين تلك الشعوب الثلاثة، لأنها من أعرق شعوب الشرق الأوسط ذات الأصول المدينية التي تُمكّن التفوق الثقافي. ومن الطبيعي أن يكون كرد الجبال شمالاً وعرب الصحراء جنوباً على تناقض مع هذا التفوق… وغالباً ما كان الكرد متداخلين مع الأرمن شمالاً و مع السريان جنوباً ومع الفرس شرقاً ومع الروم غرباً… بينما كانوا يحظون وجودهم كـشعب رعوي وزراعي، فقد كان الأرمن والسريان يكسبون وجودهم كـشعبين مقتاتين من المدينة و قائمين على الحرف الحرة. وهكذا قد نشأ فيما بينهم تقسيم تاريخي للعمل أيضاً. لذا، كانت العلاقات تكافؤية تبادلية أكثر من أن تكون متناقضة”.

ومن هنا يجب أن لاننسى أن هناك بعض الشخصيات الأرمنية تعايشت مع الشعب الكردي أمثال آرام ديكران(الذي روى له أباه و هو صغير عن فضائل الكرد وأنه يجب أن يغني للكرد)، و خرابيته خاجو و غيرهم الذين أصبحوا الوسيط التآلفي بين الشعبين، وكان لهم دور كبير في الموسيقا الكردية. كما هناك الكثير من الشخصيات الاجتماعية والسياسية التي ساندت نضال الكرد و وقفوا بجانبهم في وجه الأعداء، أمثال حرانت دينك الصحفي الأرمني الذي قُتِلَ في مكتبه بـاسطنبول من قِبَلْ أحفاد الطورانيين الفاشيين، وكذلك زوجته راكل دينك التي تحدثت في مراسم دفن زوجها حرانت وقالت : لايمكن لأحد أن يفرقنا عن الشعب الكردي لأن أجدادي احتموا بالكرد الأشقاء أثناء الإبادة الجماعية في جبال جودي آنذاك، فـقد ولدتُّ و ترعرعتُ بين الأخوة الكرد.

لكن في يومنا هذا ظهرت شخصيات كـ باشيان رئيس دولة أرمينيا الحالية الذي خان عهد الأخوة بين الشعبين الكردي و الأرمني، حيث قام بـتسليم مناضلين كرد الذين يقاتلون الدولة الفاشية الطورانية التي أبادت أجدادهم الأرمن.

أخيراً و ليس آخراً نقول أن الشعب الأرمني قادر على منع وجود مثل هذه الشخصيات الدنيئة و على معاقبتهم كما هو الحال عبر تاريخهم.

المصادر و المراجع :

  • موقع ويكيبيديا
  • موقع المعرفة
  • موقع معلومات
  • القائد عبدالله أوجالان كتاب مانفيستو الحضارة الديمقراطية المجلد 5
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.