أكاديمية المجتمع الديمقراطي

أنظمة الحكم ومصير المجتمعات في الشرق الأوسط _ حسام الأحمد

0 834

 أنظمة الحكم ومصير المجتمعات في الشرق الأوسط

الشرق الأوسط هو مهد ومنبع البشرية حيث شهدت أرضه أولى المجتمعات والاستقرار البشري، ويعتبر الشرق الأوسط مصدر للحضارة الإنسانية جمعاء، وله تاريخ غنيّ بالإنجازات الثقافية والعلمية.

يعتبر الشرق الأوسط على مر العصور وإلى الآن منارة العلم والعلوم بالرغم من حدوث انتكاسة كبيرة للشرق الاوسط في وقتنا الحالي (حروب- صراعات- فقر- جهل – تخلف – استبدادية) وهذه الانتكاسة هي بفعل الأنظمة الرأسمالية والسلطوية الاستبدادية، والتي تهدف إلى جعل الشرق الأوسط فاقد لحقيقته التاريخية.

وكما ذكرنا أن الشرق الأوسط هو مهد البشرية وطوال فترة “المجتمع الطبيعي” كانت الحياة تُدار دون الحاجة الى سلطة وأنظمةً، حيث كان الأفراد يعيشون في مجتمع تسوده الأخلاق، العدالة، والمساواة الاجتماعية.

لكن مع ظهور المدنية والسلطة في الشرق الأوسط وبدايتها مع ظهور سومر ظهر نظام حكم أثر على تطور الشرق الأوسط ومساره، ومنها السومريين والآشوريين والبابليين والفرس والبيزنطيين والممالك العربية القديمة .في حين حققت هذه الإمبراطوريات إنجازات عظيمة من حيث التقدم المعرفي والعلمي إلا إنها اتسمت بالسلطة المركزية، والحكم القمعي، وعدم المساواة الاجتماعية وجعل أفراد المجتمع عبيد لخدمة الملك وحاشيته، وذلك يمكن أن نطلق عليها الأنظمة العبودية التي يكون فيه الناس تابعين للحكام والطبقة المهيمنة ليس بكدحهم فحسب بل بوجودهم الكليّ مقابل سد الرمق فيكون العبيد هنا أداة الإنتاج الرئيسية مما ساهم في الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار.

أما في العصر الحديث حيث الاستبداد والديكتاتورية لم تختلف كثيراً عن الاستبدادية والديكتاتورية القديمة، ويعد الشرق الأوسط اليوم موطناً لمزيج من أنظمة الحكم الاستبدادية بما في ذلك الملكيات والجمهوريات التي تعطي الأولوية لمصالح النخبة الحاكمة على مصالح عامة الناس، وكثيراً ما تقوم هذه الأنظمة بقمع المعارضة السياسية، وتقييد حرية التعبير، وترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان من أجل الحفاظ على سلطتها.

والأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط بكل أنواعها تعبّر بكل معنى الكلمة عن ركام متكدس من المشاكل العالقة، فالمشاكل المتنوعة المكبوتة والمتراكمة منذ الماضي الغابر قد تركت المجتمع في الشرق الأوسط كما يصفه القائد عبد الله أوجلان بـ “مجتمع مقطوع الأنفاس” والأنظمة المفروضة على الشرق الاوسط من قبل النظام الرأسمالي بغرض إيجاد الحلول للشرق الاوسط، فقد أضحت بحد ذاتها منبعاً لخلق المشاكل فليس بمقدور تلك الأنظمة إيجاد الحلول المناسبة لأزمات الشرق الأوسط ولا هي تفسح المجال للقوى الممتلكة للحل بأن تقوم بدورها.

عيوب هذه الانظمة في الشرق الأوسط لها آثار عميقة على المجتمع والاقتصاد، وقد أدى القمع السياسي والافتقار إلى الحريات السياسية إلى خنق الابتكار والإبداع وريادة الأعمال مما أعاق النمو الاقتصادي والتنمية، وقد أدى عدم المساواة الاجتماعية والتمييز ونقص الخدمات الاجتماعية إلى تفاقم الفقر والتهميش، وقد أدى تركيز السلطة في أيدي قِلة من الناس إلى انتشار الفساد وسوء إدارة الموارد مما أدى إلى تقويض إمكانات التنمية المستدامة والازدهار.

مع عدم قدرة الأنظمة في الشرق الأوسط على التكيف مع تطلعات شعوب المنطقة المتزايدة في الحرية والمساواة والديمقراطية أدى ذلك إلى تفاقم الأوضاع في مختلف جوانب الحياة مما أدى الى انفجار الأوضاع بما يعرف بثورات ” الربيع العربي” وذلك يؤكد أن الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط مهما كانت أيديولوجيتها وتوجهاتها ومرجعياتها فهي أنظمة تآكلت وأثبتت افتقارها للسياسة والإدارة وإيجاد الحلول.

الأنظمة القومية بلاء الشرق الاوسط

لماذا نتحدث عن الأنظمة القومية؟ نحن ذكرنا إنّ جميع أشكال الحكم في الشرق الأوسط هي أنظمة دكتاتورية استبدادية، ولكن الأنظمة القومية أشدهم استبداداً ودمويةً، والأنظمة القومية هي بلاء على شعوب الشرق الأوسط لما جلبت عليهم من مآسٍ وويلات.

القومية هي أيديولوجية تعطي الأولوية لمصالح وثقافة شعب معين دون الشعوب الأخرى بذلك يؤدي إلى الإقصاء، الصراع، والانقسام. حيث ترتكز الأنظمة القومية في بنيتها على أمة واحدة فقط، ويجب أن ينصهر جميع أعضاء الأمة مع هذا النظام، والأنظمة القومية ليست كما يروج لها مراراً الشكل الأساسي للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، بل هي نظام إنكار تلك القيم، فقد أدت النزعة القومية المفرطة إلى الإقصاء، النزاعات الإقليمية، والصراعات المطولة التي أعاقت التنمية والاستقرار في الشرق الاوسط.

ولطالما استخدم القادة السياسيون القومية للتلاعب بالرأي العام، وتبرير الأعمال العدوانية، وإدامة دوامة العنف على حساب التعاون والحوار والتعايش السلمي في الشرق الأوسط، كانت وما تزال هذه الأنظمة القومية سبباً من أسباب الصراع في الشرق، ومصدراً للمشاكل.

وفي هذا الصدد يصف القائد عبد الله أوجلان الدول القومية على إنها سجن كبير، كانت بداية الدول القومية في أوربا عام1648 “صلح وستفاليا” الذي أوقف الحروب الدينية التي كانت تعاني منها أوربا أما بالنسبة للشرق الأوسط تُعتبَر إتفاقية سايكس بيكو عام 1916 بذورَ تشكُّل الدول القومية في الشرق وتعززَ مفهوم الدول القومية بعد الحرب العالمية الثانية حيث تسعى الدولة القومية إلى الاعتراف بقومية واحدة وإبادة باقي القوميات التي تقوم على أرضها مثل: الدولة التركية عام 1923 مع عهد مصطفى كمال أتاتورك زادت وتيرة القومية العنصرية التركية- الإيرانية التي لا تعترف بالقومية الموجودة  على أرضها من كرد عرب بلوش أذريين  – العربية التي معظم دولها لا تعترف بالقوميات الأخرى ، ولذلك يقول القائد لوضع حل للدول القومية: “لا يمكن وضع حل نهائي لقوموية الدولة القومية ذات الفكر المطلق إلّا بواسطة ذهنية الأمة الديمقراطية”

القضايا والمشاكل الناتجة عن الأنظمة الحاكمة في الشرق الاوسط:

-إنّ نظام الدولة يُخبأ في ثناياه قوة السلطة التي تمارس القمع والاضطهاد على المجتمعات، فبعد أن كان يُعتقد بأن الدولة هي (الملك الإله أو الإله الظل أو الإله ذاته عند هيجل) أصبحت حقيقة الدولة واضحة للشعوب بعد أن خلعت عنها كل الأقنعة التي توارت خلفها.

وقد نتج عن نظامها مشاكل وقضايا عدة أثرت على مصير الشعوب وهي:

  • البطالة: ازدادت البطالة وتغلغلت في بنية المجتمع ليعيش في حالة من الفقر والعوز.
  • تعاظم التمدن: قد أدى هذا التعاظم إلى خلق حالة من الفوضى داخل المدن، وإلى القضاء على الزراعة، وإفراغ المجتمع من قيمته ويمكن تسميتها بالسرطنة الاجتماعية.
  • تلوث البيئة: إن نظام الدولة قد أدى إلى خلق هوّة شاسعة في العلاقة بين المجتمع والطبيعة فعدم الاكتراث بشؤون البيئة نتج عنه أمور كثيرة منها تلوث المياه، الهواء، انقراض أنواع من الحيوانات، ثقب طبقة الاوزون وغيرها.
  • الانفجار السكاني: وهو حصيلة هذا النظام القائم على الرأسمالية والتي ترتكز سياسية النسل لديها على مبدأ (كلما انتقصت قيمة الإنسان كثُر وتكاثر).
  • فساد الأخلاق الاجتماعية: أدى تعزيز الدولة للفردانية داخل المجتمع القضاء على القيم الاجتماعية ودمارها.

وهناك الكثير من القضايا والمشاكل مثل الحروب الناشبة بين الدول أو داخل الدولة نفسها، الصهر، الإبادة التي تمارس على بعض مكونات المجتمع من الطبقية والتمييز والتهميش بين فئات الشعوب.

الحل الديمقراطي:

ما هو بديل الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط؟؟؟

أمام هذا الكم الهائل من المشاكل المعقدة في الشرق الأوسط لا بد من اعتماد حلول جذرية لا بحلول تكتفي بمعالجة الأعراض بل تتوجه نحو الأسباب وإزالتها ومنعها من الظهور مجدداً. ويكون ذلك من خلال دمقرطة هذا الواقع بشكل كامل حيث تحصل من خلالها كل المكونات الموجودة في الشرق الأوسط على كامل حقوقها دون إنكار أو إقصاء لفتح الطريق أمامها للتطور والعطاء ليكون الشرق الأوسط موطناً ينعم بالاستقرار والتنمية المستدامة لكافة مكوناته.

الدمقرطة الشاملة يجب أن تشمل كل مرافق الحياة، وهذه بالتأكيد عملية معقدة متشعبة تحتاج للوقت والجهد، ونحن ندرك أن لا أحد يملك عصا سحرية تحقق المطلوب خلال لحظات لكن لا بد من وضع وتحديد المبادئ الأساسية التي يجب أن تستند إليها الأنظمة في الشرق الاوسط، ولا بد هنا من التكرار بأن نموذج الدولة-الأمة الذي يفضي إلى بناء دولة قومية أحادية يعتبر فخاً قاتلاً للشعوب والمجتمعات لا بد من تجاوزه نحو مفهوم الأمة الديمقراطية والإدارات الذاتية.

حيث الأمة الديمقراطية التي ترفض تلك الحدود السياسية الضيقة نحو التعددية والعيش المشترك إذاً تحتاج إلى كيان قادر على احتواء كل هذه العناصر بكل اختلافاتها الثقافية ودفعها نحو التقدم حيث لا يوجد أي تفكير بالقومية أو الإثنية أو المذهب لأننا بمجرد تفكيرنا ضمن هذه النطاق الضيق فإننا سنعود للمربع الأول (حروب- صراعات- فقر- جهل- تخلف -استبدادية).

أما بالنسبة إلى الإدارات الذاتية ويتميز هذا النوع من الإدارة بحكم ذاتي ديمقراطي يشارك فيه جميع أبناء منطقة الشرق الأوسط بشكل مباشر في إدارة شؤونهم ومناطقهم بشكل ديمقراطي.

ختاماً ها نحن الآن في شمال شرق سوريا بشكل خاص وسوريا بشكل عام من خلال نموذج الإدارة الذاتية أمام تجربة فريدة، جديدة، وعصريةً لمفهوم الوطن والأمة.

هنا لا بد من القول بأن سوريا الديمقراطية المستندة إلى الأسس الديمقراطية والحريات والعيش لكل المكونات إذا ما تم تطبيقه في سوريا ستعبّر عن التفسير الديمقراطي الغير دولتي لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها على كامل جغرافية الشرق الأوسط والعالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.