أكاديمية المجتمع الديمقراطي

العرب في القرن الواحد والعشرون _ حسام الاحمد

0 545

العرب في القرن الواحد والعشرون

العرب شعب ذو جذور تاريخية عميقة. حيث ينتمون للعرق السامي. وعبر التاريخ الطويل، كان للعرب بصمة عميقة في المجال الحضاري بدءًا من شبه الجزيرة العربية (جزيرة العرب)، وامتدت نفوذهم خارج شبه الجزيرة العربية مع الهجرات المتلاحقة التي بدأت في أوجها مع العصر الإسلامي وانتشر العرب اليوم فيما يعرف بالوطن العربي بحدوده الطبيعية الحالية.

يعيش العرب في القرن الواحد والعشرون في عالم متغير ومتشابك، ويواجهون تحديات كبيرة من الصراعات والحروب وحالة من عدم الاستقرار والنزاعات الداخلية على المستويين الإقليمي والدولي. في مقالتنا هذه نحن لن نتحدث عن الجانب المادي للثقافي من لغة ولباس والفلكلور بل سنحاول ولو بشكل مبسط إيصال الفكرة حول حال العرب في ظل النظام الرأسمالي والأفكار القومية المتعصبة والجماعات المتطرفة والعولمة. فالثقافة العربية ذو جذور عميقة مثل ثقافة (آل عبيد) ومن الخطأ ربط الثقافة العربية بالدين الإسلامي. لإن الدين الإسلامي هو لكل المجتمعات وليس حكراً على المجتمع العربي. فالكثير من غير العرب كانت لهم بصمات في تاريخ الدين الإسلامي.

على سبيل المثال من الجانب العسكري سيف الدين قطز -صلاح الدين الايوبي -القائد الامازيغي طارق بن زياد وفي الجانب العلمي البيروني -ابن سينا -الفارابي- الخوارزمي. في الجانب الفكري ابن الأثير- عبد الرحمن الكواكبي -ابن خلكان- سعيد النورسي- إسماعيل بن علثي أبو الفداء.

مع ظهور الدين الإسلامي كان لدى العرب ثقافتهم من عادات وتقاليد وقيم يُعتز بها الى اليوم، فالدين أضاف بعض القيم وخير دليل على ذلك يقول النبي محمد(ص) ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” والدين للجميع عندما يقول الله في القرآن “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” فالدين والنبي محمد (ص) ليس للعرب فقط.

أما في ظل الأنظمة السياسة والسلطوية والرأسمالية فيتم استغلال الدين لتحقيق المصالح والغايات الخاصة ونشر ثقافة القتل والدمار مثل الفاشية الاردوغانية وداعش واخواتها. بينما الكورد اعتنقوا الدين الاسلامي ولكن اعتناقهم بغاية محبة الله والوقوف في وجه الظلم ومساعدة الآخرين. فعلى سبيل المثال صلاح الدين الايوبي لم يقوم باستغلال الدين لصالح قوميته الكردية.

حركة الاستشراق وتأثيرها على العرب:

الاستشراق هو مصطلح يشير إلى دراسة وتحليل الثقافات والشعوب والأديان الشرقية من قبل الغرب. وقد أثر الاستشراق على المجتمعات الشرقية. فقد كانت الأعمال الاستشراقية تهدف إلى دراسة الثقافة والتاريخ العربي، ولكن تحولت في بعض الأحيان إلى تحييد نماذج الثقافة العربية وتشويهها. وبمعنى آخر، كانت الأعمال الاستشراقية تُنظر إلى الهوية العربية بمنظور مخالف للمعايير الثقافية العربية. وبهذا الصدد، أثر الاستشراق بشكل كبير على شكل الهوية العربية.

لا يمكن أن يساعد الاستشراق في تعزيز الهوية العربية. فالاستشراق هو نظرة خاطئة وظالمة للثقافات والشعوب. وبالتالي، فإن الاستشراق يساهم في تشويه صورة الثقافات الأصلية، ويعزز التمييز والعداء بين الشعوب بدلاً من التعاون والتفاهم والتعاطف. لذلك، يجب على الشعوب التوقف عن الاستشراق او اقلها التأكد من الكتابات التي تُكتب عنهم وبذل الجهود لتعزيز الاحترام المتبادل بين الثقافات والشعوب.

لقد تأثرت الثقافة العربية بشكل كبير جداً بالاستشراق، حيث قدم الاستشراقيين صورة تشوبها الكثير من الخطأ والتبعية والتشويه للثقافة العربية، وذلك من خلال استخدام مصطلحات سلبية مثل البربرية والوحشية والتخلف والترهيب والمزاعم الكاذبة والمثيرة للجدل حول تاريخ وحضارة العرب.

وتأثر الفكر العربي بشكل كبير بسبب هذه الصورة السلبية النمطية، وذلك باعتبار الاستشراقيين سلطة علمية تستحوذ على المعرفة والعلم والتطور، مما أدى إلى إضعاف الثقة في الذات وخلق انطباع عام بأن العرب لا يمتلكون حضارة وثقافة وفنون بل هم متخلفون.

الثقافة العربية الاصيلة

الثقافة العربية الأصيلة هي ذلك الإرث الحضاري العريق الذي تشكل عبر آلاف السنين، وتشمل مجموعة من القيم والمبادئ والمعتقدات التي شكّلت هوية المجتمعات العربية عبر العصور. حيث القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية كالكرم، الشجاعة، الوفاء، الإيثار، وحسن الجوار. والاعتزاز بالهوية واللغة والأدب والشعر، والتضامن الاجتماعي.

أما في القرن الحادي والعشرين، ومع وجود انبهار عربي كبير بالثقافة الغربية، وتطبيقه على الثقافة العربية شهدت الثقافة العربية تغيرات جذرية وهذه المتغيرات أثرت على القيم والمبادئ إما بإضعافها أو الغائها مثل: تراجع الكرم والإيثار وحسن الجوار على حساب تزايد النزعة الاستهلاكية والفردية والانانية، كما أصبحت العلاقات المادية أكثر أهمية على حساب القيم والمبادئ. وأدى ذلك لضعف التضامن الاجتماعي وتشكل الطبقية وأصبحت المصالح الشخصية أكثر بروزاً.

العرب في ظل النظام الرأسمالي والدولة القومية

لقد القت الرأسمالية بظلالها على العالم برمته والعرب كانوا من ضمن من تأثر بفعل هذه النظام. حيث اليوم من ينظر الى واقع المجتمعات العربية يرى مستنقع من المشاكل والقضايا الاجتماعية حيث الفقر والجهل والتخلف والتشرد والهجرة وأعداد مرتفعة من البطالة على الرغم من امتلاك هذه الجغرافية موارد اقتصادية هائلة. فالمصانع الموجودة تقتصر على مواد غذائية وألبان واجبان. وذلك يجعل من الشعوب العربية رهينة استغلال النظام والدول الرأسمالية.

أما بالنسبة للدول القومية العربية، كان تطور الدول القومية العربية بناءً على حسابات بريطانيا وفرنسا للتحكم بطريق الهند واستملاك الموارد النفطية. “العراق والأردن وسوريا وغيرها لم تكن موجودة بهذه الحدود على الخارطة قبل عام 1920 بل أُنشئ مراعاةً للمصالح النفطية والتجارية لبريطانيا وفرنسا”. وهكذا بالنسبة لمختلف الدول القومية العربية تم اصطناعها لخدمة المصالح الرأسمالية.

ومن تناقضات الدول القومية العربية أنها كانت في حالة صراع مع بعضها البعض وخير مثال على ذلك غزو العراق للكويت 1990-1991 وما جلبت على العراق من حصار ومجاعات راح ضحيتها ملايين العراقيين. ومثال آخر تدخل سوريا في لبنان خلال الحرب الاهلية اللبنانية 1975 واستمر تواجد الجيش السوري الى عام 2005 ولم يتم اعتراف سوريا بلبنان كدولة مستقلة إلا بعد عام 2008. وأغلب الأنظمة القومية العربية على هذه الشاكلة. ومن تناقضات الدول القومية العربية هي أنها في حالة صراع ونزاعات سواء مع شعوبها أو الشعوب العربية المجاورة لها وكان ذلك واضحاً خلال ما يعرف ب (ربيع الشعوب).

وعلى الرغم من تخبط الشعوب العربية ضمن هذه الفكر القومي فالدولة القومية لا تتوانى عن عرض شتى أنواع اللامبالاة. فالأفكار القوموية تمدها بالقوة لأنها تعد القومية إلهاً ويجب تقديسه بشكل مطلق. ذلك دفع الى تشكل ثقافةً عربية تقوم على التجاذب والتنافر والاقصاء فمن ليسَ معي فهوا ضدي، وكل ذلك أوصل الحال بالعرب الى حد التعصب تجاه المكونات الاخرى. وإنكار وجودها وارتكاب المجازر بحقها وازدرائها.

إن سبيل تجاوز تأثير الفكر القومي والأفكار الرأسمالية هو تعزيز التعايش السلمي لان التعايش مبدأ اساسي للحفاظ على التنوع الثقافي والفكري، ويفسح مجال الحوار وتقبل الآخر. فكل مجتمع له عاداته وتقاليده وقيمه ودينه الخاص به بما يجعل التعايش السلمي ليس مجرد حق فقط بل واجب لضمان تنوع فكري وثقافي وتفاعل ايجابي في المجتمع.

العودة الى الثقافة العربية الاصيلة وسبل الحفاظ عليها

العودة الى الثقافة العربية الاصيلة هي طوق النجاة للعرب من الإبادة الممنهجة التي يتم تجميلها بأنه تطور ورقي حضاري ولكنه أشبه بدس السم بالعسل. لذلك يجب علينا فهم تاريخ الثقافة العربية وتطورها بشكلٍ نقدي، مع مراعاة السياقات التاريخية والاجتماعية المختلفة. هذا يتطلب الرجوع إلى المصادر الأصلية، ودراسة التأثيرات المتبادلة بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى. ويجب إعادة قراءة التراث العربي، مع التركيز على فهم القيم الاجتماعية والارتباط بها وتجنب التقليد الأعمى، وعلينا مقاومة التأثيرات السلبية لثقافات أخرى التي قد تُهدد الهوية العربية.  هذا لا يعني رفض التبادل الثقافي، بل يعني الحفاظ على الهوية العربية والتعبير عنها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.