أكاديمية المجتمع الديمقراطي

عمالةُ الأطفال Karkirina zarokan _ حسام الأحمد

0 1٬114

عمالةُ الأطفال Karkirina zarokan

الأطفالُ هم مستقبل المجتمع، ورفاههم ونموهم أمرٌ بالغ الأهمية لبناء مستقبلٍ مزدهر ومُستدام.

تعتبر مرحلةُ الطفولة مرحلةً تكوينيةً تشكلُ شخصيةَ الطفل وقيمه ومهاراته، وتضع الأساسَ لمساهماته المستقبلية في المجتمع. حيث يعملون كقادة مستقبليين ومبتكرين وأعضاء مساهمين في بناء المجتمع. فالأطفالُ أمل المستقبل، ويجسدون إمكانيةَ التغيير الإيجابي والتقدم في مختلف مجالات المجتمع.

ومرحلةُ الطفولة فترةٌ حرجة من النموّ والتطور، حيث يكتسب الأطفالُ خلالها المهاراتِ والمعارفَ والقيم الأساسية التي تشكل هوياتهم.  تتميز هذه المرحلة بالتطور الجسدي والمعرفي والعاطفي والاجتماعي السريع، مما يضع الأساسَ للتعلم مدى الحياة.

ولكن غالباً ما تصطدم هذه المرحلة من حياة الطفولة “بعمالة الأطفال” لذلك يجب علينا ضمانُ حصول الأطفال على الدعم والرعاية المناسبين خلال مرحلة الطفولة، لرفاهيتهم بشكل عام ونجاحهم في المستقبل. ونحن عندما نتحدث عن عمالة الأطفال فإننا نتحدث عن مشكلةٍ من مشاكل المجتمع يجب تسليط الضوء عليها، وأن تكون نصبَ أعين الجهات المعنية والأهل.

وعمالةُ الأطفال هي من المشاكل التي تعاني منها أغلبُ المجتمعات البشرية، وإن لم يكن جميعها. حيث إن عمالةَ الأطفال هي قضيةٌ عالمية منتشرة منذ قرون، وهي تشير إلى دخول الأطفال في أيّ عملٍ يحرمهم من طفولتهم ويقلل من إمكاناتهم وكرامتهم.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة للقضاء على عمالة الأطفال، ما يزال ملايينُ الأطفال في جميع أنحاء العالم يتعرضون لأعمالٍ استغلالية وخطيرة. وعمالة الأطفال لها تاريخٌ طويل، متجذر في الفقر، ونقص التعليم، والمعايير المجتمعية. وغالبًا ما يُجبر الأطفالُ على العمل بسبب الصعوبات الاقتصادية أو الظروف الأسرية أو عدم القدرة على الوصول إلى التعليم؛ وحتى الظروف السياسة والحروب والصراعات الداخلية لها الأثر الأكبر في عمالة الأطفال.

تُعرِّف منظمةُ العمل الدولية عمالةَ الأطفال بأنها العمل الذي يشكل خطرًا ومضارًا على الأطفال عقليًا أو جسديًا أو اجتماعيًا أو أخلاقيًا، والذي يتعارض مع تعليمهم من خلال حرمانهم من فرصة الالتحاق بالمدرسة، أو إجبارهم على ترك المدرسة قبل الأوان، أو مطالبتهم بمحاولة الجمع بين الحضور إلى المدرسة والعمل الطويل والشاق بشكل مفرط.

على الرغم من الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية التي تحظر عمالةَ الأطفال، إلا أنها تظل مشكلة كبيرة في العديد من البلدان. ​​وفقًا لمنظمة العمل الدولية، يُقدر عددُ الأطفال المشاركين في عمالة الأطفال في جميع أنحاء العالم بنحو 152 مليون طفل، مع أعلى معدل انتشار في أفريقيا وآسيا.

يعمل هؤلاء الأطفال في صناعات مختلفة، بما في ذلك الزراعة والتعدين والتصنيع والخدمة المنزلية. غالبًا ما يتعرضون لظروف خطرة تهدد حياتهم وساعات عمل طويلة وأجور منخفضة.

أسباب عمالة الأطفال:

إن عمالةَ الأطفال لها أسبابٌ كامنة متعددة، حيث العواملُ الاقتصادية والأعراف الاجتماعية والثقافية ونقص التعليم، وعدم وضع نهجٍ شامل يعالج الأسباب الجذرية ويقدم الدعمَ للأطفال وأسرهم بسبب الأنظمة الاستبدادية الفاسدة، وأهم العوامل:

1-عوامل اقتصادية:

أحدث الأسباب الرئيسية لعمالة الأطفال هو الفقر.  وكثيراً ما تعتمد الأسر التي تعيش في فقرٍ على أطفالها للمساهمة في دخل الأسرة.  وفي كثير من الحالات يعمل الأطفالُ بدافع الضرورة لمساعدة أسرهم على تغطية نفقاتهم.  بالإضافة إلى ذلك يستغل أصحابُ العمل الأطفالَ كعمالة رخيصة، ويدفعون لهم أجورًا أقل بكثير من أجور العمّال البالغين.

2- العوامل الاجتماعية والثقافية:

في بعض المجتمعات، هناك قبولٌ ثقافي لعمالة الأطفال، حيث من المتوقع أن يعمل الأطفالُ منذ سنّ مبكرة.  قد تؤدي الممارسات التقليدية والأعراف المجتمعية إلى إدامة دورة عمل الأطفال، حيث تنظر المجتمعاتُ إلى عمل الأطفال كوسيلة لتنمية المهارات والاعتماد على الذات أو توليد الدخل.

3- نقص التعليم:

يعدّ عدمُ الوصول إلى التعليم الجيد عاملاً رئيسياً آخر يساهم في عمالة الأطفال.  الأطفالُ غير الملتحقين بالمدارس أو الذين لا يستطيعون الوصول إلى المرافق التعليمية المناسبة هم أكثرُ عرضةً للالتحاق بالقوى العاملة.  وتؤدي محدودية الفرص التعليمية إلى إدامة دورة الفقر وزيادة احتمال استغلال الأطفال في العمل.

4-الأزمات والصراعات:

تؤدي الأزماتُ السياسية والحروب إلى تدمير البنية التحتية للتعليم وزيادة الحاجة إلى عمالة الأطفال، وعدم تطبيق القوانين التي تمنع عمالةَ الأطفال بسبب الفوضى.

5-النظام الأبوي الذكوري:

النظامُ الأبوي السلطوي هو هيكلٌ اجتماعي يعتمد على السلطة المطلقة للآباء أو كبار الأسرة، حيث يكون للذكور الأكبر سناً النفوذ الأكبر والقرار النهائي في الأمور الأسرية. هذا النوع من النظام غالباً ما يعزز الفوارقَ ويضعف دورَ المرأة في اتخاذ القرارات. في سياق عمالة الأطفال يمكن أن تكون نتيجة مباشرة للنظام الأبوي السلطوي، إذ يمكن أن يُجبر الأطفالُ على العمل للمساهمة في دخل الأسرة، خاصة في المجتمعات التي تعاني من الفقر أو تفتقر إلى الموارد الكافية.  ومن العوامل الرئيسية التي تربط النظام الأبوي السلطوي بعمالة الأطفال تشمل:

1-الهيمنة الذكورية: يتخذ الآباءُ أو الذكور الأكبر سناً القراراتِ المالية والأسرية، مما قد يؤدي إلى إرسال الأطفال للعمل لتعزيز الدخل الأسري.

2-الفقر: في المجتمعات الفقيرة، يمكن أن تكون عمالةُ الأطفال وسيلةً للبقاء، ولذلك يعمد الأب إلى الزجّ بالأطفال إلى سوق العمل.

3- العادات والتقاليد: بعضُ المجتمعات تفضل أن يعملَ الأطفالُ بدلاً من الذهاب إلى المدرسة، حيث ينظرون إلى عمل الأطفال في سنّ مبكرة كتكوين للرجولة بالنسبة للأطفال الذكور.

4- عدم جدية العمل بالقوانين واللوائح: هنا يقع العاتقُ الأكبر على إدارة المجتمع من مختلف الإدارات والمؤسسات في عدم جدية تطبيق القوانين التي تحظر عمالة الأطفال، وضعف العقوبات ضد من يقوم باستغلال الأطفال في سوق العمل.

تعزيز دور المرأة في الاسرة يقلل من عمالة الأطفال:

كما نعلم أنه مع بداية ظهور المجتمعات البشرية ” المجتمع الطبيعي ” كان للمرأة الدورُ الريادي والقيادي في إدارة الكلان، ونجحت الى حد كبير في ذلك، حيث أن الجانبَ العاطفي للمرأة يطغى على الجانب التحليلي وعلى كامل تفكيرها، ولكن مع تحول المجتمع نحو الهرمية السلطوية والنظام الأبوي تغيرت كثيراً بنيةُ المجتمع، حيث من الحياة التشاركية والعدالة والمساواة والأمان والحماية إلى السلطة والاستعباد والاستغلال، بغيةَ تحقيق الربح المادي، بغض النظر عن الأخلاق والإنسانية. ومن منظوري الشخصي، عندما يكون للمرأة دورٌ كبير في الأسرة والقرارات الأسرية من خلال الحياة التشاركية مع الرجل، سوف تنخفض عمالة الأطفال إلى حدّ كبير، كون المرأة تتطلع إلى حياة أفضل لأطفالها من خلال تهيئة بيئة مؤاتيه لسعادة أطفالها، بعيداً عن حياة الطفولة المعذبة.

إنّ تمكينَ المرأة في الأسرة يساعد في تحسين ظروف الأسرة ككل، مما يقلل من الحاجة إلى اعتماد الأسرة على عمل الأطفال. هناك عدة طرق تساعد في تعزيز دور المرأة في الأسرة و التقليل من عمالة الأطفال:

1-تمكين المرأة اقتصادياً: عندما تساهم في إعالة أسرتها من خلال دخولها الى مجال العمل، وعدم اقتصار دورها في المطبخ والإنجاب، وهنا يتحقق نوعٌ من الاستقرار الاقتصادي داخل الأسرة، وذلك يقل من اضطرار الأطفال للعمل للمساعدة في إعالة الأسرة بفضل مساهمة المرأة.

2- توفير التعليم والتدريب للمرأة: عندما تكون المرأةُ متعلمةً ومدربة، فإنها ستكون قادرةً على إيجاد فرص عمل مناسبة، وبالتالي لن تضطر إلى إرسال أطفالها للعمل. وعندما تكون المرأة على دراية بحقوق الطفل في التعليم والرعاية الصحية والترفيه، فإنها ستكون أكثر قدرة على حماية أطفالها من العمالة المبكرة.

3-تشجيع المرأة على المشاركة في صنع القرار: عندما تكون المرأة جزءًا من عملية صنع القرار في الأسرة، فإنها ستكون قادرةً على التأثير على القرارات المتعلقة بعمل الأطفال.

تأثير العمالة على الأطفال:

عمالة ُالأطفال لها عواقبُ مدمرة على صحة الأطفال الجسدية والعقلية والعاطفية. إن العمل في سنّ مبكرة يحرم الأطفالَ من حقهم في التعليم، مما يؤدي إلى محدودية الفرص المتاحة لهم للتطور الشخصي والنجاح في المستقبل. والأطفال الذين يعملون معرضون للاستغلال والإساءة والمخاطر الصحية. ويؤدي العمل إلى حرمان الأطفال من التمتع بطفولتهم وتكوين صداقات والاندماج في الأنشطة الاجتماعية والثقافية. كما أنهم أكثر عرضة للبقاء محاصرين في حلقة مفرغة من الفقر، مما يؤدي إلى إدامة حلقة عمل الأطفال للأجيال القادمة.

الحلول:

إن معالجةَ عمالة الأطفال تتطلب نهجًا متعددَ الأوجه، يشمل الحكوماتِ وأصحابَ العمل والمجتمع المدني والمنظمات الدولية. وتشمل بعض الحلول الرئيسية:

– تعزيز الحياة التشاركية بين الرجل والمرأة في اتخاذ القرارات داخل الأسرة، فذلك يساهم في خلق بيئة أسرية آمنة ومستقرة تحفز الأطفالَ على التركيز على التعليم والنمو بدلاً من البحث عن فرص عمل مبكرة. لأنه عند تشارك الرجل والمرأة في اتخاذ القرارات الأسرية، يمكنهما وضع خطط طويلة الأجل لتطوير الأسرة وتحسين نوعية الحياة لجميع أفرادها بما في ذلك الأطفال، مما يقلل من احتمالات اضطرار الأطفال للعمل.

– إنفاذ القوانين واللوائح القائمة لحماية الأطفال من الاستغلال والعمل الخطير.

– توفير الوصول إلى التعليم الجيد والخدمات الاجتماعية لمنع الأطفال من دخول قوة العمل.

– تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة وفرص العمل اللائق للبالغين للحد من فقر الأسرة. ودعم الأسر الفقيرة وتمكينها اقتصاديًا لتجنب الاعتماد على دخل الأطفال.

– زيادة الوعي بالآثار السلبية لعمالة الأطفال من خلال البرامج الوثائقية والندوات الفكرية وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني في توعية كافة أفراد المجتمع. والدعوة إلى سياسات تعطي الأولوية لحقوق الأطفال ورفاهتهم.

– تعزيز التعاون بين الدول والمؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني لتبادل الخبرات ودعم البرامج التي تهدف إلى القضاء على عمالة الأطفال.

ختاماً، تظل عمالةُ الأطفال قضيةً ملحّة تتطلب الاهتمامَ والتحرّك العاجل. إنها انتهاكٌ لحقوق الأطفال وتشكل عائقًا أمام التنمية المستدامة. من خلال العمل معًا لمعالجة الأسباب الجذرية لعمالة الأطفال وتنفيذ حلول فعّالة، يمكننا خلقُ عالمٍ حيث يتمتع كل طفل بفرصة النمو والتعلم والازدهار في بيئة آمنة. هنا علينا الالتزامَ بإنهاء عمالة الأطفال وضمان مستقبلٍ أكثر إشراقًا لجميع الأطفال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.