تاريخ الشرق الأوسط
مقدمة:
لو قمنا بسؤال أحد الاشخاص ما هو الشرق الأوسط فللوهلة الأولى سيكون جوابه: بلاد فقر ومجاعات وحروب. ولكن لو عدنا بالتاريخ – التاريخ الذي للأسف الشديد تعرض لتشويه والتزوير بهدف غايات ومصالح سياسية، ولأنَّه كما يقول ونستون تشرشل:” التاريخ يكتبه المنتصرون”.
ومن هذا المنطلق، وتأكيداً على مبادئ الأمة الديمقراطية التي تؤكِّد على أهمية دراسة التاريخ، تقوم أكاديميات المجتمع الديمقراطي في شمال شرق سوريا بنشر الكتب والمقالات التي تتحدث عن تاريخ الحضارات والمجتمعات الإنسانية مثل: تاريخ سوريا وتاريخ الشرق الأوسط، ولذلك قبل الدخول بالشرق الأوسط سنتحدث قليلاً عن معنى التاريخ وأهمية دراسة التاريخ.
التاريخ: هو علم من العلوم الإنسانية التي تهتم بدراسة أحداث الماضي والإخبار عنه حيث يقوم بدراسة الحضارات والمجتمعات الإنسانية.
وللتاريخ علوم مساعدة تساعد الكاتب أو المؤرخ في الوصول إلى الحقيقة التاريخية، وأهم هذه العلوم: (علم التنقيب- علم الآثار- الفن- الاقتصاد-المصكوكات…إلخ). وكلُّ علم من هذه العلوم يبحث ضمن اختصاصه، وتساعد في كتابة البحث التاريخ من أجل الوصول إلى الحقيقة التاريخية.
وتبرز أهمية دراسة التاريخ أنَّها تساعدنا، ليس فقط للوصول إلى الحقيقة بل تساعدنا في فهم حقيقتنا المدفونة والوصول إلى جوهرنا، حيث يؤكد القائد على وجوب دراسة التاريخ:” نحن موجودون بالتاريخ ولكنَّ التاريخ الحقيقي مدفون فينا”. وتساعدنا دراسة التاريخ في فهم المجتمعات المحيطة بنا وهنا تكمن إجابة السؤال الذي سألناه في مقدمة المقالة: هل صحيح أنَّ الشرق الأوسط بلاد الفقر والمجاعات والحروب؟
لو بحثنا في تاريخ الشرق منذ القديم وإلى ما قبل الحروب في العصر الحديث لوجدنا أنَّ الشرق بحضارته العريقة قاد العالم لقرون طويلة، وعلى الرغم من الهجمة الشرسة التي تقودها الدول الرأسمالية بهدف تشويه الحضارة الشرق أوسطية من أجل تصوير وتسويق الحضارة الغربية للعالم، ما زلت الحضارة الشرق أوسطية تبهر العالم بكشوفاتها.
من خلال هذه المقالة سوف نتحدث عن امتدادات الشرق الأوسط ومن أين جاء مصطلح الشرق الأوسط، وعن أهميته قبل اكتشاف الثروات الباطنية، والصراعات والحروب فيه، ومن ثم ننتقل إلى الشرق الأوسط بفكر القائد عبدالله أوجلان ( أزماته وحلولها).
امتدادات الشرق
هناك اختلافات في الكتابات التاريخية حول امتدادات الشرق وذلك باختلاف المطامع الاستعمارية الرأسمالية في الشرق حيث هناك ثلاث أقوال:
القول الأول: إنَّ الشرق يتكون من (بلاد الشام- بلاد الرافدين ـ الخليج العربي- وادي النيل- المغرب العربي ـ تركيا- إيران).
القول الثاني: يضيف البعض إلى ما ذكرنا بالقول الأول دولَ أسيا الوسطى: (الهند- سنغافورة- ماليزيا- الصين-الكوريتين…إلخ).
القول الثالث: هناك من يضيف بعض من دول القرن الافريقي: (إريتريا – جيبوتي – إثيوبيا – الصومال).
كما ذكرنا: إنَّ هذه الامتدادات تختلف لأنَّ كلَّ دولة استعمارية وضعت امتدادات للشرق حسب مصالحها الاستعمارية.
مصطلحات الشرق الأوسط
لقد تنوعت مصطلحات الشرق الأوسط بتنوع امتداداته ولقد مرَّ مصطلح الشرق بأربع مصطلحات اولها؟
1-الشرق القديم: هو مصطلح أُطلِق من قبل العلماء والباحثين في تاريخ الحضارات البشرية على الشرق كونه أقدم المناطق التي قامت عليها الحضارات البشرية.
2-الشرق الأدنى: هو مصطلح أطلقه الإنكليز في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي نتيجةَ الصراع بين بريطانيا وفرنسا للسيطرة على أملاك الدولة العثمانية التي كانت تعاني الضعف والانحلال، وحيث كان يشمل كلاً من (سوريا- فلسطين- لبنان- الأردن، أي بلاد الشام- وبلاد الرافدين، أي العراق- قبرص- مصر- الخليج العربي). سُمِّيَ بالأدنى لقربه من القارة الأوربية.
3-الشرق الأقصى: هو مصطلح أيضاً أطلقه الإنكليز في منتصف القرن الثامن عشر ميلادي، وذلك عندما حوَّلت بريطانيا الهندَ مركزاً تجارياً لها وبوابةَ عبور لباقي دول شرق آسيا. وكان الشرق الأقصى يشمل كلاً من (الهند ـ الصين- سنغافورا- ماليزيا- وغيرها من دول شرق آسيا). وسُمِّيَ بالأقصى لبعده عن القاره الأوربية.
4-الشرق الأوسط: لقد اتفقت أغلب الكتابات التاريخية والمؤرخون الإنكليز و الفرنسين على أنَّ مصطلحَ الشرق الاوسط هو بديل عن كافة المصطلحات السابقة، وهو مصطلح سياسي استعماري رأسمالي ظهر في أول مرة عام 1902 على يد ضابط البحرية الأمريكية” ألفريد ماهان”، ولكن لم يتعزز هذه المفهوم إلَّا بعدَ الحربين العالمية الأولى والثانية، وكان في بدايته يشمل كلاً من (ليبيا غرباً إلى إيران شرقاً، ومن تركيا شمالاً إلى اليمن جنوباً)، هذه هي المصطلحات التي مرَّ بها الشرق.
أهمية الشرق الأوسط
يقول الكاتب الألماني” أرنست جاخ” حول أهمية الشرق: إنَّ الحربَ تأتي من الشرق، وستندلع بسبب الشرق، وتُحسَم من الشرق”. ومن خلال هذه الكلمات نعرف أهمية الشرق بالنسبة للغرب حتى قبل اكتشاف النفط وغيره؛ لأنَّ الشرقَ منذ القديم كان ساحةَ صراع من أجل السيطرة عليه كون الشرق يتمتع بموقعه الجيوسياسي المتمثِّل بتوسط قارات العالم؛ (آسيا ـ أفريقيا- أوربا- أمريكا الشمالية والجنوبية – أستراليا). كما أنَّ الشرقَ كان ملتقى طرق التجارة الهامة آنذاك؛ وهي طريق الحرير الصيني والتوابل الهندية، ومع مرور الوقت والزمن واكتشاف الثروات الباطنية الهائلة في الشرق، زادت حِدَّة الصراع والنزاع على الشرق، وتطورت أساليب السيطرة على الشرق، من الحروب التقليدية إلى إثارة الصراعات والنزاعات بين دول الشرق، إلى المعاهدات والاتفاقيات والشركات التجارية التي تضمن للدول ذات الطابع الاستعماري في الاستمرار في السيطرة على الشرق، سوف نقوم بتحليل ودراسة كلَّ أهمية للشرق على حِدة، وسوف نركز على المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج؛ (بلاد الشام- بلاد الرافدين- المغرب العربي- الخليج العربي ـ تركيا- إيران)، كون هذه البلدان هي قلب الشرق الأوسط وأغلب الأهميات تتواجد فيها والحروب والنزاعات القائمة حالياً، هي قائمة في هذه البلدان. كما يجدر بنا أنَّ نقول: بأنَّ هناك بعض بلدان الشرق الاوسط استطاعت إلى حدٍّ كبير التخلص من الهيمنة الغربية الرأسمالية، مثالاً اليابان؛ بلدٌ بعد الحرب العالمية الثانية كانت منهارة، ولكنَّ اليومَ الاقتصادُ الياباني ينافس العالم. وهناك سنغافورة التي طُردت من الاتحاد الماليزي بسب فقرها واقتصادها المنهار، حتَّى أنَّ رئيس وزرائها (لي كوان) ظهر على التلفاز يبكي وقال كلمته المشهورة:” كيف سوف تعيش سنغافورة”. واليوم انظروا أين هي سنغافورة. هذه بعض الأمثلة بينما بقيت الدول الممتدة من المحيط إلى الخليج رهينة الاستبداد السياسي والاقتصادي والفقر والجوع على الرغم من امتلاكها الحصة الأكبر من ثروات الشرق. ولعلَّ أبرز هذه الأهميات هي:
1-ألاهميه التاريخية والحضارية للشرق:
تبرز هذه الأهمية كون الشرق مهد الحضارات وأصلها وأول موطن للبشرية، ولقد شهدت رقعته أقدم تلك الحضارات والإمبراطوريات وأهمها: (السومريون- الآشوريون- البابليون- الميديون- الفينيقيون- الفراعنة-الفرس- الروم-الأمويون- العباسيون…إلخ، من الحضارات التي كان لها دور كبير في تحقيق النهضة الشرق أوسطية على مستوى العالم من الناحية الثقافية والفكرية والعلمية؛ حيث خرج من تلك الحضارات الكشوفات الجغرافية والطب والفلك والفلسفة وغيرها من العلوم التي قِسْم كبير منها يُدرَّس في الجامعات الأوربية؛ ولذلك الدول الاستعمارية لا تحاربنا من أجل النفط فقط، بل حتَّى تحارب ثقافتنا عاداتنا تقاليدنا من أجل عدم السماح للحضارة الشرق أوسطية بالعودة إلى حقيقتها القيادية للعالم لأنَّه في حال نجح الشرق في تحقيق نهضته سوف تتضعضع الحضارة الغربية.
2-الأهميه الدينية في الشرق الأوسط:
ممَّا لاشك فيه أنَّ الأهمية الدينية لا تقل أهمية عن الأهمية الحضارية للشرق الأوسط؛ وذلك كون الشرق مهد ومنبع الديانات وميلاد الأنبياء؛ حيث تنوعت الديانات بتنوع الحضارات: (الإسلام- المسيحية- اليهودية-الزردشتية- الأيزيدية- الهندوسية- البوذية)، ولهذه الديانات أتباع تقدر بالملايين، ولقد استغلت الدول الاستعمارية هذه التنوع الديني من أجل إثارة الحروب الدينية لإضعاف الشرق وتسهيل السيطرة عليه؛ وذلك لعِلمها أهمية هذه السياسة لأنَّ الدولَ الأوربية عانت من ويلات الحروب الدينية بين الكاثوليك والأرثذوكس فعمدت إلى إثارة الفتن الدينية بين المسلمين والمسيحية واليهود وغيرهم من الديانات، وحتى عمدت إلى إثارة الفتن بين المسلمين أنفسهم؛ هذه سني وهذه شيعي، وهذه سلفي وهذه صوفي…إلخ.
ولا يمكن حلُّ مثل هذه النزاعات إلَّا بفكر الأمة الديمقراطية حيث الكلُّ يتقبل بعضه بغض النظر عن دينه؛ لأنَّ المهم هو بناء مجتمع ديمقراطي حر.
3-الأهمية البشرية للشرق الأوسط:
ممَّا لا شك فيه أنَّ هذه الامتداد الواسع للشرق كان لابدَّ فيه من وجود طاقة بشرية هائلة؛ حيث يقارب سكَّانه تقريباً 4 مليارات نسمة، يتواجد التعداد الأكبر في كلٍّ من الصين مليار و418 مليون نسمة، والهند مليار و412 مليون نسمة، بينما منطقتنا حوالي 547 مليون نسمة، وفي هذه التعداد السكاني الهائل لابدَّ من وجود عقول بشرية من علماء وأطباء ومهندسين وخبراء وحتى يد عاملة؛ فلذلك عمدت الدول الاستعمارية الرأسمالية إلى السيطرة على هذه الثروة من خلال تسهيل هجرة هذه العقول باستغلال الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها كلُّ دولة من دول الشرق من أجل الاستفادة من هذه العقول والخبرات في بناء اقتصادها.
4-ألاهمية الإستهلاكية للشرق الأوسط:
لقد عمدت الدول الرأسمالية إلى تحويل هذه المساحة الواسعة من الشرق إلى سوق استهلاكية لجميع منتجاتها الصناعية: (الغذائيةـ الزراعية- العسكرية)؛ حيث تصرف معظم دول الشرق مليارات بل ترليونات الدولارات على صفقات السلاح بسبب الحروب التي تغذيها الرأسمالية، وكما عمدت إلى تسويق المنتجات المخدرة: (حبوب الكبتاغون، والمارجوانا (الحشيشة)، وكلُّ ذلك بهدف تحقيق الربح وسلخ المجتمعات عن ثقافتها التي تنبذ هذه الأمور، ولذلك بفكر الأمة الديمقراطية نحاول بناء مجتمع طبيعي أخلاقي سياسي بعيد عن السياسة الرأسمالية التي لا تراعي الأخلاق والبيئة.
5-الأهمية الأيديولوجية للشرق الأوسط:
كون الشرق الأوسط عانى وما يزال يعاني من الحروب والقمع والاستغلال على مرِّ العصور، وكون هناك تنوع ثقافي وفكري وديني في الشرق، كلُّ ذلك ساهم في ظهور حركات وأيديولوجيات مختلفة مناهضة للاستعمار والرأسمالية، وكان هدف هذه الحركات والأيديولوجيات هو محاربة الاستعمار والقمع وتوعية الشعوب من أجل النهوض بها نحو مستقبل مشرق، ومن أهم هذه الأيديولوجيات أيديلوجية القائد عبدالله أوجلان التي تهدف إلى حلِّ كافة مشاكل الشرق الأوسط. وكان مثل الأيديولوجيات محاربةٌ من قِبَل الدول الاستعمارية الرأسمالية كونها تهدد استمرارية هذه الدول بالسيطرة على الشرق.
6-الأهمية الاقتصادية:
هذه الأهمية من أهم الأهميات التي جعلت الشرق الأوسط في سُلَّم أولويات الدول الاستعمارية الرأسمالية سوف نذكر بعض الميزات الاقتصادية للشرق وهي:
- تعتبر الزراعة منذ فجر التاريخ أهمَّ شريان للحياة الاقتصادية في المجتمعات الإنسانية حيث تتركز الزراعة في الشرق حول الأنهار الكبرى: ( النيل- الفرات- دجلة- نهر الأردن…إلخ)، وفي المناطق الساحلية، ولقد ساعد على تطور الزراعة عدة عوامل وهي وفرة المساحات القابلة للزراعة والتربة الخصبة والأنهار والمسطحات المائية. كما تتميز المحاصيل الزراعية بجودة النوعية على عكس المنتجات الزراعية الغربية، ومن أبرز المحاصيل ( القمح- الشعير-البقوليات- الحمضيات- الزيتون- التمور- الخضروات)، ولقد تراجعت الزراعة في الشرق وذلك بسبب الحروب القائمة على أرضه، وبسبب سياسة بعض الدول التي تنبع منها الأنهار مثل ما يحدث الآن في سوريا حيث قامت الفاشية التركية بخفض منسوب نهري الفرات ودجلة من أجل غايات سياسية؛ وذلك دفع لتراجع الزراعة في سوريا والعراق بشكل ملحوظ.
2-المضائق والممرات المائية في الشرق:
وتعتبر المضائق المتواجدة في الشرق من أهم مضائق العالم؛ حيث تحقق اختصار الوقت والمسافات للسفن التجارية والحربية؛ وذلك أعطى أهمية كبيرة للشرق جعلت منه عرضة للأطماع الاستعمارية، وأهم هذه المضائق: (جبل طارق- هرمز- باب السلام أو باب المندب- البسفور والدردنيل- قناة السويس، وهي مر مائي صناعي- كيتان في اليابان- فارمزا يقع بين الصين وتايوان…إلخ).
3-الثروات الباطنية في الشرق:
يعتبر الشرق من أغنى المناطق بالثروات الباطنية؛ حيث سوف نقوم بذكرها دون الدخول بتفاصيلها، وهي النفط حيث يوجد النفط بوفرة في الشرق وأبرز الدول المنتجة هي السعودية والعراق والكويت وسوريا وإيران وغيرها من الدول، ويتميز النفط في الشرق بالنوعية الجيدة وقرب الآبار من سطح الارض؛ وذلك يخفف من تكاليف استخراجه، كما يوجد الغاز بكميات هائلة في الشرق، وهو لا يقل عن النفط من حيث الأهمية كونه يعتبر من مصادر الطاقة، وهناك الفوسفات والمعادن الثمينة كالمنغنيزيوم والذهب والنحاس والحديد؛ ممَّا دفع الدول الرأسمالية للسيطرة على هذه الثروات، أمَّا عن طريق الحروب المباشرة أو الحروب بالوكالة أو بفرض أنظمة موالية لها أو عن طريق شركات احتكارية. وهذه بشكل مختصر أهمية الشرق التي جعلت منه ساحة صراع بين القوى العظمى، وذلك خلق حالة عدم استقرار في الشرق الأوسط.
الحروب والصراعات القائمة في الشرق في العصر الحديث وتداعياتها على الشرق الأوسط
سوف نقوم بذكر أهمها دون الدخول بتفاصيلها وأسبابها. لقد قامت في الشرق العديد من الحروب والصراعات ولكن هناك فرق بين الحرب والصراع؛ فالحرب تكون قد وقعت وانتهت ولكنَّ الصراع يكون قائماً دون حل منذ وقوعه وإلى الآن، وأبرز الحروب هي: (الحرب العربيةـ الإسرائيلية وكانت بين أعوام 1948-1967-1973-1982-2006- وحروب الخليج الأولى1981- الثانية 1990- الثالثة 2003- حرب السوفييت وأفغانستان 1979- حرب الأمريكان وأفغانستان 2001).
أمَّا الصراعات فهي: (الصراع الصيني- التايواني، الصراع الباكستاني- الهندي، صراع الكوريتين، الصراع الأرمني- الأذربيجاني، الصراع الخليجي- الإيراني)، وهذه الصراعات على حدود ومناطق متنازع عليها، كما كان هذه النزاعات بتغذية استعمارية من أجل تسهيل السيطرة على الشرق الأوسط.
وتداعيات مثل هذه الحروب والصراعات كانت كارثية؛ حيث نشرت حالة عدم استقرار في الشرق الأوسط، ونشرت الفقر والمجاعات والجهل واستنزاف الاقتصاد وفقدان الكثير من الأرواح.
الشرق الأوسط بفكر القائد عبدالله أوجلان وأزماته وحلُّ هذه الأزمات
يصف القائد مجتمعَ الشرق الأوسط بمجتمع “مقطوع الأنفاس”؛ وذلك بسبب المشاكل المتكدسة التي يعاني منها الشرق الأوسط منذ القديم وحتى الآن، وكان عدم وضع حلٍّ لهذه المشاكل هي من أوصلت الشرق إلى هذه الحال، حيث يؤكد القائد على أنَّ الازمات والمشاكل التي يعاني منها الشرق هي أزمات لها جذور تاريخية وقديمة قدم الشرق؛ لأنه لا يوجد مجتمع خال من المشاكل، ولكن مع عصر الحداثة الرأسمالية وتدخلها بالشرق تأزمت هذه المشاكل وتعقدت، ويذكر القائد الكثير من الأزمات، ولكن سوف أركز على ثلاث أزمات عانى منها الشرق وهي:
1-مسألة المرأة: كان وماتزال قضية المرأة في مجتمعات الشرق تعتبر من القضايا الحساسة ويجب عدم التحدث بها؛ فالمشاكل التي عانت منها المرأة وماتزال شكلت أحد الأزمات التي يعاني منها الشرق، وذلك بسبب عدم وضع حل دائم لها؛ لأنَّه بمجرد وضع الحل سوق تترسخ مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحيث كانت المرأة منذ فجر التاريخ تتمتع بمكانه مرموقة حتى وصلت درجة القداسة، ولكن على فتره من الزمن جُرِّدَت المرأة من هذه المكانة، فناضلت ومازالت تناضل من أجل الوصول إلى حقوقها، وعلى الرغم من بعض المكاسب التي حققتها إلَّا أنَّ القضية ماتزال مطروحة وبقوة حتى تصل إلى المساواة بين الجنسين، وعلى الرغم من وصول المرأة إلى مناصب في الشرق إلَّا أنَّ بعضَ دول الشرق جعلت من تلك المناصب صُورِيَّة خالية من المضمون القيادي. ويُرِجع القائدُ تدنِّيَ وضع المرأة في الشرق لعدة أسباب وهي: الاستبداد السياسي والاستبداد الذكوري والذهنية الذكورية، وتخلف العادات والتقاليد وتفسير النصوص الدينية بما يناسب الذهنية الذكورية.
ولذلك عمدت الدول الرأسمالية إلى استغلال هذه التناقض من أجل إثارة المشاكل لأنَّ المرأة تُشكِّل نصفَ المجتمع وهي من تهتم بالنصف الآخر؛ ولذلك فالمرأة هي مجتمع بأكمله، واستعباد المرأة يعني استعباد مجتمع كامل؛ ولذلك وضع القائد حلاً للمشاكل والمآسي التي عانت منها المرأة في كتبه ضمن عنوان” الحياة النِدِّيَّة الحرة”؛ أي التشاركية بين الرجل والمرأة.
2-نشوء الدول القومية في الشرق الأوسط: إنَّ تشكُّل الدول القومية في الشرق شكَّل سبباً من أسباب الصراع في الشرق، ومصدراً للمشاكل. وأهم خصائص الدولة القومية: (العَلَم الواحد- اللغة الواحدة- الشعب الواحد)، وعلى الرغم من تشكل الحضارات والإمبراطوريات على أرض الشرق ألَّا أنَّ مفهومَ الدولة القومية لم يكن موجوداً؛ حيث يمكن تقسيم أشكال الدول إلى عدة أشكال: الدولة العبودية في بداية البشرية – الدول الإقطاعية – الدول البرجوازية – الدول القومية. وحيث تُعتبَر اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 بذورَ تشكُّل الدول القومية في الشرق وتعزز مفهوم الدول القومية بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث تسعى الدولة القومية إلى الاعتراف بقومية واحدة وإبادة باقي القوميات التي تقوم على أرضها مثل: الدولة التركية- الإيرانية – العربية- إسرائيل. وكما تقوم الدولة القومية بأعمال توسعية للدول المحيطة بها بدافع النزعة القومية؛ ولذلك يقول القائد:” لا يمكن وضع حل نهائي لقوموية الدولة القومية ذات الفكر المطلق إلَّا بواسطة ذهنية الأمَّة الديمقراطية”.
3-الصراع الاشتراكي الرأسمالي في الشرق الأوسط: لقد كان حلم الغرب السيطرة على الشرق منذ القديم؛ فمنذ الإسكندر الكبير مروراً بالحملات الصليبية والاستعمار الحديث، ما هي إلَّا تدخلات بالشرق، وذلك من أجل منع الشرق من الوصول إلى نهضته الحقيقة، وكان للشرق نصيب من الصراع الاشتراكي الرأسمالي حيث مع قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 ونجاحها في إسقاط القيصر الروسي، وقيام نظام اشتراكي ساعد في قيام ما يعرف باتحاد السوفيتي، وكان لتدخل الاشتراكية في الشرق أثر سلبي كونه سمح بقيام أنظمة ذات طابع دكتاتوري وغضَّ النظر عن الاساليب التي يمارسها فقط لأنَّه يحمل أفكارها، أمَّا بالنسبة للرسمالية فقد كان لها الأثر السلبي الأكبر في الشرق كونها ساهمت في تدمير الاقتصاد عن طريق الاحتكار وتدمير البيئة واستخدام المرأة للترويج لمنتجاتها.
ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية عمدَ كلٌّ من المعسكرين إلى تشكيل حلف عسكري للدول التي تحمل أفكارهما وهما حلف شمال الأطلسي (الناتو) الرأسمالي، وحلف وارسو الاشتراكي، وممَّا لاشك فيه أنَّ هذه الصراع الذي خلَّف بينهما حرباً عُرفَت بالحرب الباردة، والتي ألقت بظلالها على الشرق ولم تنتهِ إلَّا مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وهذه التناحر ما يزال قائماً؛ ولاحظنا ذلك في الأزمة السورية والليبية، وكان لهذا التناحر سبب في إطالة الأزمات في الشرق الأوسط.
حلُّ أزمات الشرق الأوسط بفكر القائد عبد الله أوجلان
يقول القائد:” إنَّ حلَّ جميعَ مشاكل الشرق الأوسط يكمن في الأمَّة الديمقراطية وذلك كونَ الأمَّة الديمقراطية لا تدخل في حدود الدولة القومية ولا توجد حدود مرسومة للأمَّة الديمقراطية لأنَّها قد توجد في مدن، أقاليم، قرى”.
ويرى القائد إنَّ في مشروع الأمَّة الديمقراطية السبيل في وقف الكثير من الحروب والصراعات في الشرق؛ لأنَّها درب السلام والحرية والعدالة.
في الختام يقول القائد:” إنَّ ما تحتاج إليه شعوب الشرق الأوسط هي الديمقراطية بقدر حاجتها إلى الطعام والماء والهواء، وأنَّ أيَّ خيار غير الديمقراطية لم ولن يلبي طموح وآمال شعوب الشرق الأوسط”.
بقلم: حسام معصوم الأحمد