كردستان تاريخياً _مركز البحوث والعلوم الأجتماعية
كردستان تاريخياً
لقد تحدثنا عن جغرافية كردستان في المقالة السابقة التي تحمل عنوان كردستان جغرافياً وفي مقالتنا هذه سنتحدث عن الشعب الكردي من الناحية التاريخية حيث التسمية، والممالك التي قامت والدول والثورات والحياة الثقافية والدينية للكرد، حيث من المعلوم أن تاريخ الكرد يُعرف بتاريخهم المكتوب من عاداتهم وتقاليدهم وبطولاتهم وأمجادهم وملوكهم والقصص والملاحم التاريخية، والأشعار وسجلات الدواوين، ولكن الكرد من الشعوب التي تعرض تاريخهم للطمس والانصهار في تاريخ شعوب أخرى، وتعرض الكرد للصهر والابادة بشكل فضيع عبر التاريخ، وخصوصاً في العصور الحديثة مع ظهور ونشأة الدول القومية في الشرق، ومع المؤامرات والاتفاقيات التي اقتسمت كردستان زادت وتيرة طمس معالم وحضارة هذه الشعب العريق الأصيل الذي هو من الشعوب الأصيلة التي قامت على هذه الرقعة، على سبيل المثال الأتراك: ليسوا من الشعوب الأصلية لهذه المنطقة لماذا؟ لأن الأتراك قدموا من آسيا الوسطى بعد تعرضهم للغزو المغولي؛ حيث أجبرهم هذه الغزو على التوجه ناحية الغرب باتجاه الأناضول، حيث استقروا هناك وشكلوا الدولة العثمانية ومن بعده الدولة التركية؛ أي أنه من الخطأ الفادح تسمية بلاد الأناضول بموطن الأتراك، لأن الاتراك جاؤوا مع السلاجقة؛ حيث أنه خلال حكم الدولة السلجوقية أزداد عدد الأتراك في بلاد الأناضول، حيث ذكر المؤرخ الكردي ” أحمد بن يوسف المعروف بابن الأزرق” الذي عاصر أمراء الدولة المروانية حتى انهيارها على يد السلاجقة 1096 م، في كتابه ” تاريخ ميافارقين “: إنه بدخول السلاجقة كان أول دخول للترك إلى بلاد الأناضول.
تسمية كردستان والكرد:
لقد تنوَّعت المُسمَّيات والمصطلحات حول كردستان بتنوع الشعوب المجاورة لكردستان، أولى المصطلحات التي أُطلقت على كردستان كانت من قِبل السومريين بصيغة (su-ki) وتعني أرض السوئيين، ومنها جاءت تسمية (سوبير)؛ حيث (سو) تعني الأرض و(بير) تعني الجنة لجمال طبيعتها. ودُعيت من قِبل الأكاديين بسوبارتو وتعني البلاد العليا بالنسبة لجنوب ميزوبوتاميا؛ حيث كانت تشمل جبال زاغروس وطوروس. والآشوريين أطلقوا صيغة (نامري) للدلالة على كردستان. وأطلق عليها الإيرانيون (كوهستان) وتعني بلاد الجبال. وأطلق الأرمن عليها اسم (كورد جيخ). كما دعاها الشركس باسم (كرد جيكو) أي أرض الكرد. والعرب أطلقوا عليها “باقردا”، وهذا ما يرويه ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان. ولكن تسمية كردستان بمصطلح “كردستان” ظهرت لأول مرة في القرن الثاني عشر ميلادي في عهد السلطان السلجوقي “سنجر”، وذلك حسب ما ورد في كتاب “نزهة القلوب” لمؤلفه الفارسي “حمد الله المستوفي القزويني”، وكردستان تعني أرض الكرد، ذات الجبال والطبيعة الخلابة وهي الموطن الأصلي للكرد.
ويمكننا من خلال تسمية كردستان تلخص تسمية الكرد التي أطلقت عليه من قِبل الشعوب الأخرى، حيث كانت تسمية الكرد شائعة ولكن بصيغ مختلفة ومنها:
1-كردا kurda: تعتبر أقدم تسمية ظهرت في التاريخ، وأُطلقت على منطقة حوض الخابور والقامشلي عندما كانت مسكونة من قِبل الخوريين ومن بعدهم الآريون الميتانيون، حيث يشير بعض المثقفون والملمُّون بدراسة تاريخ الكرد أن الكنية جاءت من “كيرتا”؛ اسم أول ملك كردي ميتاني حكم مدينة أوغاريت.
2-كورتkurt : تعبر عن الكنية الأثنية للفدراليات العشائرية الميدية التي انتشرت على عموم جبال زاغروس وطوروس وغرب كردستان.
3-قاردا- قردوQardu : تسمية طوبوغرافية لمنطقة بوطان الموطن القديم لقبائل الكورت والمرد، جاءت تسمية ماردين منهم، وقد أختفى هذه اللقب من الكتب التاريخية.
4-الكارد: تسمية جورجية قديمة.
5-كاردوخ: تسمية يونانية.
6-كاردا: تسمية آرامية.
8-باقردا: تسمية عربية.
اسلاف الكرد:
ينتمي الكرد إلى مجموعة الشعوب الجبلية التي عرفت قديماً بشعوب زاغروس-طوروس ـ الأمانوس، وشعوب ميزوبوتاميا، وهم من الشعوب ذات الأصول والعروق الآرية. وتتفق كافة الكتابات وآراء المستشرقين والمؤرخين على أن شعب الكرد هم من الشعوب القديمة والأصيلة التي سكنت المنطقة، ومنهم: السوباريون واللولوبيون الميتانيون، والكاشية والميديون والخوريون أو الهوريون أو الحوريون والكوتيون.
1-الشعب السوباري: عاش الشعب السوباري على الأرض الممتدة بين نهري دجلة والفرات، ووجد البابليون أن حدود السوبارتو كانت تمتد من حدود عيلام حتى جبال الأمانوس، وكانت عاصمتهم تدعى (شيريش)، ولكن تاريخهم يكتنفه الغموض لقلة الوثائق والاكتشافات الاثرية الخاصة بهم، وهم يعتبرون بمثابة الجد الأكبر والأقدم للكرد.
2-اللولوبيون: أحد شعوب كردستان القديمة، والتاريخ الذي يتحدث عنهم ضئيل وذلك لعدم وجود المدونات التاريخية، إضافة إلى قيام بعض الحكومات بعدم الاهتمام بالمكتشفات التاريخية التي تخصهم لأسباب عنصرية، كانت مملكتهم تعرف باسم (خمازي) نسبة لعاصمتهم مدينة (خمازي)، وهي تقع شرق مدينة كرمنشاه شرق كردستان. مع انقضاء العصر الكوتي تراجع اللولوبيون وسقطت مملكة خمازي، ومع سقوط نينوى بيد الميديين عام 612ق.م، انقطع ذكر اللولوبيين.
3-الخوريون-الحوريون-الهوريون: هم من أجداد الكرد، وأحد أهم شعوب الشرق، وهم شعب جبلي أصيل كانوا يقنطون في الأطراف الغربية من سلسلة جبال زاغروس وتحديداً بين دجلة والفرات، وتؤكد اللقى الأثرية على أن وجود الخوريين في ميزوبوتاميا كان في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، وكانت أوركيش (تل موزان شرق عامودا) عاصمتهم، وكان ذلك في عهد الملك أتل-شين.
4-الكوتيون: هم من الشعوب الجبلية الزاغروسية إلى جانب اللولوبيين والخوريين؛ حيث تواجدوا في الألف الثالث قبل الميلاد، ولهم دور ريادي وأساسي في قيادة التحالفات القبلية اللولوبية والخورية في مواجهة الدولة الأكادية وتهديداتها، ونجحوا بالانتصار على الأكاديين بقياد القائد الكوتي (نريدا بيزير)، ولقد أجمع المؤرخون على تسمية مرحلة الكوتيين بالعصر الكوتي لدورها الحضاري المتميز، وكما يعتقد تزامن ضهورهم مع ظهور السومريين. وانتهت المملكة الكوتيية عندما قام أوتو خيكال أمير أوروك بالانقلاب على نظام الحكم الكوتي في سومر وأكاد؛ لأن الكوتيين لم يتبعوا نظام حكم قمعي استبدادي في حكم سومر وأكاد، بل سمحوا للكوادر المحلية من سومر وأكاد بالحكم، واستلم أوتو خيكال زمام الأمور، وبعد معركة طاحنة قتل الملك تيركان آخر ملوك الكوتيين؛ وبذلك انتهى العصر الكوتي.
5-الميتانيون: عاشوا حوالي البحر المتوسط من جبال زاغروس إلى الحدود المصرية بعد تشكيلهم الإمبراطورية الميتانية وكانت عاصمتها “واشو كاني” سيريكاني.
6-الكاشيون “الكاسيتيون”: هم قوم جبلي زاغروسي كانوا يعيشون في الشمال الشرقي من نهر دجلة، وحتى حدود لورستان (شرق كردستان-إيران) وبابل، وعاشوا مع الكوتيين واللولوبيين وتوسعوا حتى وصلوا إلى حدود بابل، وشكلوا مملكة عُرفت باسم ” كاردو نياش”.
7-مملكة “أورارتو”، في القرن 13 قبل الميلاد وكانت عاصمتها “توشيا-وان” التي تقع على ضفاف بحيرات وان، حيث ذكر الملك شليمانصر الأول ملك آشور حروبه معهم التي وقعت في 1274-1245 ق.م، في عهد ” سردار” من عام 810-775 ق.م، حيث استولوا على أذربيجان الإيرانية وأرمينيا الحالية، ولكن في عامي 735-714 ق.م قاد الأشوريين حملة ودمروا أورارتو، حيث أن الأرمن قدموا إلى ” أورارتو” على أبعد تقدير بالقرن السادس قبل الميلاد.
8-الميديون: مع بداية الألف الأول قبل الميلاد وفي الهضبة الإيرانية، ظهرت القوى الميدية على الساحة كقوة وإمبراطورية في منطقة كاشان، ومع سقوط نينوى بيد القائد الميدي (كي آخسار) عام 612 ق.م، تشكلت المملكة الميدية حيث اتخذُ من (إكبتانا) همذان حالياً عاصمةً لهم، وسقطت المملكة الميدية في عهد أستياجيس “استياك” على يد كورش الثاني ملك الفرس ” وهو حفيد استياك من ابنته ماندانا”؛ حيث سقوطها لم يكن بشكل عسكري بل بشكل تراجيدي وبذلك أصبحت المملكة الميدية تابعة للفرس.
إمارات الكرد في العصور الميلادية
1-إمارة الروادية: بداية حكمهم كانت عام 955 -1221 ميلادي، مؤسسها محمد بن حسين الروادي حيث حكم الروادية أردبيل (أذربيجان).
2-إمارة الشداديين: استمر حكمهم من 951-1174، مؤسسها محمد بن شداد حكمة أجزاء من أرمينيا وآران.
3-إمارة الحسنويين: من عام 959-1015 م، مؤسسها حسنويه بن حسين، وحكم غرب إيران وشمال بلاد ما بين النهرين، وكانت دينور عاصمتهم وهي تقع شمال شرق كرمنشاه.
4-إمارة المروانيين: 990-1096، مؤسسها أبو علي بن مروان حكمت شمال سوريا وجنوب الأناضول، حيث آمد (ديار بكر) وميافارقين التي كانت تشكل العاصمة.
5-الدولة الأيوبية:1171-1250، مؤسسها صلاح الدين الأيوبي، وحكمت مصر وبلاد الشام والحجاز وبعض من أجزاء بلاد المغرب.
6-ثورة عبد الرحمن الباباني عام 1806، في مدينة السليمانية ضد العثمانيين، وتم تشكيل إمارة بابان التي استمرت حتى عام 1850م.
الكرد في ظل احتلال الدولة العثمانية لكردستان وحتى بداية الحرب العالمية الأولى:
كان توسع الدولة العثمانية في المناطق التي سيطرت عليها بدافع الحصول على المال من خلال الجزية أو الأتاوات، ومن أجل تجنيد الشباب في جيشها بهدف التوسع أكثر والاستلاء على مناطق جديدة. ولقد ستطاع العثمانيون بعدما قدموا من آسيا الوسطى على آثر تعرضهم للغزو المغولي، حيث أجبرهم هذه الغزو على التوجه ناحية الغرب باتجاه الأناضول، حيث استقروا هناك وتمكنوا من تثبيت أقدامهم في الأناضول، ومن بعد غزواتهم المتلاحقة على الغرب وسيطرتهم على دول البلقان توجه العثمانيون نحو الشرق، وبعد معركتي جالديران مع الدولة الصفوية عام 1514م، وبعد معركة مرج دابق مع المماليك 1516 م، وانتصار العثمانيين فيهما وتوسعهم في باقي المنطقة؛ جعل ذلك وضع كردستان تحت السيطرة العثمانية، كما عمدت الدولة العثمانية إلى تصفية المماليك والإمارات الكردية عن طريق تأليبها على بعضها البعض، أو استعمال القوة للقضاء عليها ونفي زعاماتها خارج البلاد، وبرزت خطورة الدولة العثمانية على كردستان عندما وقعت مع الدولة الصفوية معاهدة شيرين والتي تُسمى أيضاً بمعاهدة “ذهاب “؛ والتي تعتبر أول تقسيم لكردستان، وكان مكان إبرام المعاهدة في قصر شيرين جنوب شرق كركوك، حيث تم إعطاء يريفان (أرمينا حالياً) وآخالت سيخه (جورجيا حالياً) للدولة الصفوية، والعراق للعثمانيين، وقد ظلت حدود معاهدة شيرين معتمدة حتى الوقت الحاضر لحدود إيران الحالية مع تركيا والعراق. ومع ممارسات الدولة العثمانية القمعية قامت الكثير من حركات التحرر الكردية والثورات؛ حيث أن الكرد، كونهم ساكني الجبال، قد اكتسبوا من صفاته الشموخ والحرية والكرامة، كانت تهدف ثوراتهم إلى المطالبة بالحقوق والحكم الذاتي للكرد في مناطقهم، وأبرز تلك الثورات في تلك المرحلة:
– انتفاضة بدرخان بك الكبير1821: والتي انطلقت من جزيرة بوطان وامتدت إلى هكاري وبدليس. فشلت الانتفاضة بسبب الخيانة التي قام بها يزدان شير وهو ابن أخت او ابن عم بدرخان.
-مقاومة ساسوان: وهي منطقة تتوسط بين ولايات باطمان أو باتمان وسيرت وموش وبدليس، ولكنها فشلت بسبب قلة الذخيرة.
-مقاومة ديرسم 1937-1938: قامت بسبب الظلم العثماني وقادها سيد رضا زعيم عشيرة حسانان، وبعد فشل المقاومة تعرضت ديرسم لشتى أنواع الظلم والسلب والنهب مما أجبر المقاومين على التراجع وراء الجبال.
– معركة دمدم التي قادها (أمير خان ليبزيرين) التي قامت عام 1609 حتى1610، حيث وقعت حول قلعة دمدم في منطقة برادوست حول بحيرة أرومية شرق كردستان (إيران)، حيث حاول أميرخان الحفاظ على استقلال إمارته في وجه التغلغل العثماني والصفوي قبل توقيع معاهدة شيرين.
ولكردستان تاريخياً تكملة سنتحدث عنها في المقالات القادمه.