كردستان جغرافياً _ مركز البحوث والعلوم الأجتماعية
كردستان جغرافياً
إن الامتداد الواسع للشرق الأوسط الذي يضم العديد من الدول والبلدان والأقاليم يمتلك تنوعاً هائلاً في الشعوب التي تقطن على أرضه وكون، العلاقات الإثنية بين شعوب منطقة الشرق الأوسط بقومياتها المتعددة الأعراق والمختلفة الأديان والمذاهب، تشكل سجلاً مهماً في التاريخ الحديث والمعاصر؛ وذلك لعمقها التاريخي في المنطقة، وكون تلك القوميات أحاطتها تعقيدات وأزمات وإبادة وصلت حدَّ إلغاء قوميتها وإنهاء وجودها على حساب قومية أخرى، وأخذت وتيرتها تتزايد وتتصاعد في القرن التاسع عشر والعشرين، ومع الاكتشافات الأثرية والبحوث العلمية الحديثة بات من الضروري التعرف على حقيقة الشعوب وتاريخها عن الشعوب التي تسكن الشرق التي ماتزال تعاني المآسي ولا يمكن إنهاء المآسي والأزمات التي تعاني منها هذه الشعوب بسبب سياسة وأنظمة الدول القومية إلا من خلال فلسفة القائد عبد الله أوجلان التي تتلخص بفكر الأمة الديمقراطية وأخوَّة الشعوب، حيث يؤكد القائد:” إنَّ حلَّ جميعَ مشاكل الشرق الأوسط يكمن في الأمَّة الديمقراطية، وذلك كونَ الأمَّة الديمقراطية لا تدخل في حدود الدولة القومية، ولا توجد حدود مرسومة للأمَّة الديمقراطية لأنَّها قد توجد في مدن، أقاليم، قرى”. ويرى القائد إنَّ في مشروع الأمَّة الديمقراطية السبيل لوقف الكثير من الحروب والصراعات في الشرق؛ لأنَّها درب السلام والحرية والعدالة. لا يجب أن تكون علاقة الكونفدرالية الديمقراطية مع الدول القومية علاقة حرب، ولا استسلام للانصهار في بوتقتها، بل يجب أن تُبنى على اعتراف الطرفين ببعضهما وبشرعيتهما، والتعايش معاً ضمن أجواء سلمية، فالكونفدرالية الديمقراطية إمكانية حل لإنهاء الحروب والاشتباكات والتوترات التي لا تزال قائمة في الشرق الأوسط، والنابعة من الظلم التاريخي والاجتماعي الذي ولَّدته الدولة القومية.
وفي مقالتنا سنتحدث عن الكرد وكردستان حيث سنقدمها على مقالتين المقالة الأولى تتحدث عن جغرافية كردستان والمقالة الثانية عن الشعب الكردي عبر التاريخ حيث إن الكرد هم من أكثر الشعوب التي عانت من ويلات التآمر والاستغلال والإبادة؛ فالجغرافيا التي كان وما يزال يعيشها الكرد يُطلق عليها اسم “كردستان”، والتي تعرضت للتشوية من قِبل الأقلام الشوفينية.
جغرافية كردستان
موقع ومساحة كردستان:
تقع بلاد كردستان في قلب الشرق الأوسط على خط طول (40-30) درجة شرقاً، وخط عرض (37-38) درجة شمالاً، وتقدر مساحة كردستان بأكثر من 500.000 كيلو متر مربع وذلك حسب تقديرات أغلب المختصين؛ حيث سجلها الكاتب الفرنسي “رامبو” بـ 530.000 كلم2، و” آمد تيكريس” بـ 520.000 كلم2، و”عبد الرحمن قاسملو” بـ 410.000 كلم2، وقدرها البرفسور “عصمت شريف وانلي” بمساحة فرنسا. ويحد منطقةَ كردستان من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال البحر الأسود ومنطقة جبال القوقاز، ومن الشرق بحر قزوين والصحاري الإيرانية، ومن الجنوب سوريا وميزوبوتاميا السفلى، ومعظم تلك الأراضي جبلية.
مناخ كردستان:
يتميز مناخ كردستان عموماً بالمعتدل، إلى جانب اقترابه في بعض المناطق من المناخ القاري الجاف، وترتفع درجات الحرارة في الجنوب لتصل إلى ما يقارب 50 درجةً مئوية مثل كركوك وهولير، وتنخفض كلما اتجهنا شمالاً لتصل إلى درجات تحت الصفر في أرضروم وآرارات؛ حيث الثلوج التي تغطي قمم الجبال طوال العام. وتتراوح الهطولات المطرية في كردستان بمعدل (200 إلى 400) ملم سنوياً، وإلى (1000) ملم في جبال (جيلو-رشكو)؛ وذلك بتأثير الأعاصير الآتية من البحر المتوسط.
الأنهار في كردستان:
تتميز جغرافيا كردستان بكثرة الأنهار، ولعل أبرز أنهارها النهران العظيمان الفرات ودجلة؛ ودجلة اسم جاء من اللغة الميدية “تيك ” tig بمعنى حاد لسرعة جريانه، وينبع النهران من شِعب جبال طوروس، ويصبان في الخليج العربي، ويرويان في طريقهما كلَّاً من سوريا والعراق، ويشكلان عصب الحياة لكِلا البلدين، ويبلغ طول نهر دجلة 1900 كلم، وطول نهر الفرات 2800 كلم، ويعتبر من أطول أنهار كردستان. نهر آراس بطول1000 كم من المنبع إلى المصب، ويتجه نحو الشرق ويتجاوز شرق كردستان، ويرافقه نهر (قيزيل أوزون) ويصبان في بحر قزوين. وفي شرق كردستان أنهار كثيرة مثل: جاماس، سيروان، جغتو، كما يوجد نهر عفرين في أقصى غرب كردستان بطول 97 كلم. وقد قامت الدول المقتسمة كردستان ببناء عشرات السدود على أنهار كردستان مثل سد: (أتاتورك، كابان، بيرة جك، دوكانى حمرين، شهرزور، همدان، سقز، مهاباد، سد 17 نيسان الذي تم تغير اسمه بعد إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في عفرين إلى سد نوروز)، وكانت لهذه السدود دور كبير في القضاء على الكثير من الآثار التي تخص تاريخ كردستان. كما تنوعت البحيرات في كردستان بتنوع الأنهار، وأهم البحيرات: بحيرة (وان) التي ترتفع عن سطح البحر بستة الآف متر، ويبلغ طولها 90 كلم، وهي صالحة للملاحة، بحيرة أروميه، جيلدر، وغيرها من البحيرات المتوزعة في عموم كردستان.
جبال كردستان:
تشتهر كردستان تاريخياً ببلاد الجبال وذلك لكثرة الجبال، وأعلى جبل فيها هو جبل آرارات، ويُطلق عليه أيضاً جبل آكري، والجودي ويرتفع (5167) متراً عن سطح البحر، ثم جبل سرحد (4548) متراً، رشكو (4135) متراً، جيلو (4116) متراً، سيبان (4058) متراً.
أراضي وسهول كردستان:
تعطي أراضي وسهول كردستان إنتاجاً وفيراً من الغلال الزراعية؛ وذلك بسبب خصوبة التربة ووفرة مياه الأنهار والمسطحات المائية والهطولات المطرية التي ساعدت على تطور الزراعة والإنتاج، ومع تتطور الزمن والوسائل تزايد الإنتاج، وأهم المنتجات الزراعية هي الحبوب من قمح وشعير وذرة، وتُنتج بكميات هائلة، والبقوليات المختلفة، وأنواع من الخضروات والفواكه، خاصة التفاح والرمان في ملدي (ملاتيا) وعفرين ذات الأصناف عالية الجودة، إضافة إلى شهرة كردستان بإنتاج زيت الزيتون عالي الجودة؛ وذلك بسبب كثر أشجار الزيتون وخاصة في عفرين ودولوك (عنتاب) وسيرت. كما تُشتهَر كردستان بالغابات المنتشرة على المنحدرات الجبلية حيث هناك أنواع لا حصر له من الأشجار مثل: اللوز، الجوز، البطم، البلوط، السماق، الزعرور، الصنوبريات، الزيتون. وتُستخدم هذه الثروة في مجال التدفئة والصناعات الخشبية من أدوات منازل وزراعية في القديم، كما أنها تعطي منظراً طبيعياً خلاباً يجلب السياح من كافة أنحاء العالم.
الثروة الحيوانية في كردستان:
تُعتبر منطقة كردستان أول منطقة الشرق الأوسط روضت الحيوانات ودجنتها، وشكلت هذه الثروة مصدراً غذائياً واقتصادياً مهماً، وأبرز تلك الحيوانات هي: الأغنام والماعز والأبقار والإبل، وتُعتبر كردستان أكبر مصدر للأغنام في الشرق. كما تتنوع الطيور في كردستان بحكم الغابات مثل الحَجَل. وهناك طيور الزينة والطيور اللاحمة. وتمتلك كردستان ثروة سمكية كبيرة بحكم الأنهار والبحيرات. كما هناك الذئاب والضباع والدببة والحيوانات الزاحفة وغيرها.
الثروات الباطنية في كردستان:
يُعتبر كل ذكرناه سابقاً ثروةً لكردستان، وحال الثروات الباطنية في كردستان حال باقي مناطق العالم، ولكن كردستان تمتلك مخزوناً كبيراً من تلك الثروات؛ حيث النفط الذي يتميز بجود النوعية وقربه من سطح الأرض وبذلك تقلُّ من تكاليف استخراجه. وكما تمتلك كردستان أكبر مخزون احتياطي من النفط، وتمتلك كردستان الغاز الذي يُستخرج من حقول النفط أو حقول منفصلة، وأهم حقول النفط: كركوك، الموصل، رميلان. كما يُستخرج من صخور كردستان الفحم الحجري في جبال هكاري. أما بالنسبة للصخور البركانية يُستخرج منها الكروك والرصاص والنحاس والحديد والذهب والفضة والزنك والرخام والملح الصخري والقصدير الذي يوجد في لورستان شرق كردستان، كما توجد أحجار الزينة كالمرمر في عفرين وأماكن متفرقة من كردستان.