أكاديمية المجتمع الديمقراطي

الذات والموضوع _شيخموس محمد

0 119

الذات والموضوع

في كثير من الأحيان نواجه هذه الثنائية في حياتنا. دون أن نعرف من أين جاءت جذور هذه الثنائية وما هدفها والغاية منها؟

وكما هو معروف فإن الشخص الذي اطلع على هذه القضية وتناولها هو ديكارت. قبل ديكارت، كانت هناك ثنائية الذات والموضوع، ولكن ليس بالطريقة التي عبر بها ديكارت.

عندما يتحدث ديكارت عن هذا الموضوع، فإنه يضعكلُ من الإنسان والطبيعة موضع النقاش. يصبح الإنسان ذاتًا له روح وعقل. والطبيعة تصبح موضوعاً يمارس عليها كل الأشياء التي يريدها الذات.

عندما ابتكر ديكارت هذا الموضوع، كان لديه هدف رئيسي واحد في ذهنه. لأنه في أوروبا تم مناقشة أزمة وجود الكنيسة وإلهها وقاموا بمعارضة الكنيسة. ونتيجة لذلك، تحرر الشعب الأوروبي من الكنيسة. وعندما حرروا أنفسهم من الكنيسة، أرادوا تغيير النظام الذي كان يقود المجتمع.

تم بذل العديد من الجهود لتوفير نظام بديل. إحدى هذه الجهود كانت جهود ديكارت. في البداية، بدأ الأمر بالشك، إذ يجب علينا أن نشك في كل شيء. يجب التعامل مع كل المعارف التي بين أيدينا بالشك.

تم تقديم فكرة الذات والموضوع حتى يتمكن الإنسان من التحكم في الطبيعة في أوروبا. اجعل الطبيعة تحت سيطرتك وافعل كل ما تريده بها.

لكن القائد عبد الله اوجلان لا يرى الأمر بهذه الطريقة. فهو يقول في مرافعاته: “إنني أُبدي اهتماماً بالغاً في تقييماتي إزاء تناوُلِ الخصائصِ والمزايا الطبقيةِ والاجتماعية للتمييز بين الذات والموضوع بشكلٍ أساسي. ذلك أنَّ هذين المصطلحَين الباديَين وكأنهما نزيهان، هما السببُ الأنطولوجيُّ (الوجودِيُّ) لنشوءِ الحداثة التي غدت مستحيلةَ الاستمرار. وهذان المصطلحان لا علاقة لهما بالمنجزاتِ العلمية كما يُعتَقَد، وليسا نقيَّين من الميزات النسبية. وهما مشحونان بمفهومٍ ثبوتيٍّ قوالبي بصدد الطبيعة والذات، بقدر ما هو عليه الأسلوبُ الوثوقيّ الدوغمائي في العصور الوسطى بأقل تقدير. فالسعيُ لفهمِ الحياة عبْرَ التمييز والفصل العلني بين الذات والموضوع يؤدي بالحياة إلى الاختناق المادي، ويجعلها رجعيةً ومُهَمَّشةً ومُبهَمَة أكثر مما كانت عليه حياة الإنسان في العصور الوسطى. فحياةُ الإنسان التي كتَمَ الأسلوبُ العلميُّ أنفاسَها وحَرمَها من الحرية، قد تشتتت إرباً إرباً في الحداثة الرأسمالية اعتماداً على التمييز بين الذات والموضوع، ونشأت التصدُّعاتُ المتأصلةُ في كافة مناحي الحياة. إنَّ القيمة العظمى المفقودةَ مع تجزُّؤِ التكاملِ حتى خلاياه الأوليةِ بسبب “الضوابطِ العلمية”، هي تكامُلُ ووحدةُ الحياة الاجتماعية المسجَّلةِ ضمن أبعاد الزمان والمكان. ما من شيءٍ في راهننا أخطرُ من “تضييق الخناق على الحياة”، ومن مأساةِ الحياة المبتورة من جوهرها ومقوِّماتها الزَّمَكانية. إننا وجهاً لوجه أمام أشدِّ المصائرِ بؤساً. فالسرطنةُ الاجتماعية ليست تصوراً من صُنعِ الخيال، بل هي التفسيرُ الأمثل للواقع الملموس للنظام القائم إزاء الحياة”.

كل شيء موجود في عالمنا له ذات. لا أستطيع أن أجعل ذاتي أفضل من ذات الشخص الآخر المقابل لي. لدينا جميعًا ذاتً ما (إنسان، حيوان، نباتات)، وبشكل خاص كيف يتم تحديد الذات الإنسانية؟  عندما تكون منتجاتها مفيدة للمجتمع. إن العمل المشترك الذي يقوم به البشر معًا في بناء المجتمع يظهر شيئًا إبداعيًا.

مثال أمام أعيننا جميعا هو ثنائية الروح والجسد. أيهما هو الذات وأيهما هو الموضوع؟ عندما نقول إن الروح هي ذات والجسد موضوع، وإذا افترضنا أن الجسد غير موجود، فكيف سيحقق الروح ذاتيته؟

بمعنى آخر، يتم اعتبار الرجل والمرأة كذات وموضوع وفقًا لتأثير وعي العصور الوسطى، حيث يُظهر الرجل كذات وينظر للمرأة كموضوع. ونتيجة لذلك يصبح المجتمع فارغاً ومشلولاً. وهذا يعني أن هذا النهج خاطئ. كل من الرجل والمرأة هم بشر. كلاهما ذات وموضوع. إنهم يبنون معًا مجتمعًا مشتركًا وتصبح نتيجة المجتمع النموذجي هدفهم وموضوعهم.

نتوصل إلى استنتاج مفاده أن الذات والموضوع الذي عُرف في أوروبا في العصور الوسطى لا ينبغي أن يكون لها مكان في عالمنا الحالي. يجب أن ندرك جيدًا أننا ذوات ومواضيع في الوقت نفسه. نحن ذوات في اتخاذ القرار ومواضيع في تنفيذها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.