لغة الام
اللغة هي كينونة التواصل بين الافراد والمجتمعات البشرية، وبالتالي يستطيعون إقامة علاقات فيما بينهم. واللغة تدل على مفهوم الوجود وعدمه لدى الشعوب، حيث اندثار او انصهار اللغة يعني عدم وجود ذلك الشعب.
مع وجود اللغة أصبح الإنسان إنساناً، مختلفاً عن الكائنات الحية الأخرى وتكون لديه الوعي، لذلك تعتبر اللغة هي المعرفة، والمعرفة هي التعرف على الذات والتعرف على الذات هي أم المعارف فالقائد عبد الله أوجلان يقول: “معرفة الذات هي أم المعارف” وإن معرفة الذات تفتح مجالاً للإنسان في سبيل الحرية.
لغة كل قوم تعبر عن الوجود الأساسي لهذا القوم؛ لأن اللغة هي من تعُرف عن هذا القوم وتجعله مختلفاً عن الأقوام الأخرى، فاللغة هي أداة الوعي لدى المجتمع، حيث أن اللغة هي جزء من الثقافة، والثقافة تحدد هوية الشعوب. أي أن اللغة تعني هوية المجتمعات. لكل شعب من شعوب العالم لغته الخاصة وهي لغته الام، وفي مقالتنا هذه سنتحدث عن اللغة الام بالنسبة للمجتمع العربي.
ما هي لغة الأم
لغة الأم هي اللغة التي يتحدث بها الفرد منذ الطفولة وهي اللغة التي يتعلمها من الوالدين والأسرة والمجتمع الذي يعيش فيه. وتعتبر اللغة الأم جزءًا من الهوية الثقافية للفرد وتؤثر على تفكيره وطريقة تعامله مع العالم والآخرين. وتشمل اللغة الأم النطق والكلام والقراءة والكتابة والمفردات والقواعد النحوية والصرفية والتعابير اللغوية الأخرى. في علم اللغة، يشير مصطلح “اللغة الأم” إلى اللغة الأولى التي يتعلمها الشخص ويتحدث بها، وعادةً ما تكون لغة عائلته وخلفيته الثقافية. إنها اللغة التي يشعر الشخص براحة أكبر فيها ويتقنها أكثر.
ويكون للأم الدور الأكبر في تعليم أبنائها اللغة، حيث يتعلم الانسان نمط الحياة من أمه. ويستنبط منها الثقافة والاخلاق والسلوك. ولذلك فإن الطفل العربي لن يتعلم اللغة العربية من أمه فحسب، بل سيتعلم منها كافة التقاليد والثقافة العربية أيضاً. وهذا يعني أن هناك علاقة وطيدة بين مصطلحي اللغة والثقافة. فاللغة الأم هي البعد الاجتماعي للوعي والاخلاق والمشاعر والفكر الجمالي الذي يكتسبه الإنسان من أمه.
لغة الام على مر التاريخ:
اللغات هي أنظمة للتواصل اللفظي والرمزي بين البشر. حيث يشرح الأنسان مشاعره وأفكاره ومتطلباته بلغته. في صرخة الانسان الأول، انبثقت لغة الأم. على الرغم من أن الإنسان الأول لم يكن قادرًا على الكلام، إلا أنه كان يعبر عن مشاعره وأفكاره بالإشارات. تلك الإشارة تعبير بحد ذاتها عن اللغة التي تعلمها من والدته، بمعنى آخر، هي طريقة تعلم نمط الحياة التي اكتسبها من والدته.
نعلم جميعًا أنه في بداية الحياة، كان الانسان يعرف أمه فحسب. فكان يقتدي بها اي ما كانت تفعله الأم، فكان يفعل نفس الشيء وبنفس الطريقة. ومع تطور المجتمع تتطور اللغة ايضا. شيئا فشيئا، أصبح الانسان يشرح تلك الإشارات أو مشاعره وأفكاره من خلال الكلام. مع مرور الوقت، ظهرت الكتابة واللغات الرئيسة. ولم يكن هذا التطور وليد يوم أو يومين، بل استغرق آلاف السنين من حياة الإنسان. ومنه يقوم المجتمع على ثلاث ركائز: اللغة والارض والتاريخ. لكن أهمها ركيزة اللغة. على سبيل المثال، عندما تريد التعرف على شخص ما، فإن سؤالك الرئيسي هو من أنت ومن أي ملة. عندما يجاوب الى أي ملة ينتمي، فأنك تستذكر اللغة أولاً، ثم الارض، وأخيراً التاريخ الذي ينتمي اليه. وفي الوقت نفسه، عندما لا تسأل، فإنك لا تتعرف على الشخص من ملابسه وهندامه ولكن من خلال لغته وكلامه. وبالتالي فإن اللغة هي هوية الإنسان.
اليوم، هناك آلاف اللغات وآلاف اللغات الأخرى التي اندثرت وضاعت. وفقا للمؤرخين اللغويين أو المؤسسات اللغوية العالمية هناك 7000 لغة اليوم، لكن مع هذا التطور الذي نشهده قد تزيد أو تنقص. وهناك العديد من اللغات غير معروفة حتى يومنا هذا، وقد تم صهر، حظر وقمع الكثير منها.
اللغة العربية
اللغة العربية هي إحدى اللغات السامية وأقدمها، وتُعتبر العربية من أكثر اللغات انتشارًا، حيث يتحدث بها أكثر من 400 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، خصوصًا في الدول العربية، بالإضافة إلى مجتمعات ناطقة بها في مناطق أخرى.
تعتبر اللغة العربية من اللغات الغنية والمتنوعة. تمتاز العربية بثراء معجمي هائل، حيث تحتوي على عدد كبير من المفردات والمترادفات، مما يمنحها قدرة تعبيرية دقيقة ومتنوعة. كما أن نظامها الصرفي والنحوي معقد ودقيق، ويعتمد على الإعراب، الذي يحدد وظيفة الكلمات داخل الجملة.
تتكون العربية من 28 حرفًا، وتُكتب من اليمين إلى اليسار. كما تتميز بأساليب بلاغية متعددة مثل الجناس والطباق والسجع، مما يجعلها لغة غنية بالأدب والشعر. وقد أثرت في العديد من اللغات الأخرى مثل الكردية والفارسية والتركية والإسبانية بسبب الامتداد الحضاري الإسلامي.
اليوم، تتفرع اللغة العربية إلى فصحى وعامية، حيث تُستخدم الفصحى في الإعلام والتعليم والأدب، بينما تسود اللهجات العامية في التواصل اليومي. ورغم التحديات التي تواجهها، تبقى العربية لغة حية، تتطور مع الزمن وتحافظ على مكانتها الثقافية والتاريخية.
لكن اللغة العربية تواجه اليوم العديد من التحديات مثل: منافسة اللغات الأجنبية لها مثل الإنكليزية، إهمال اللغة العربية من قبل أبنائها والانصراف نحوا التطور التكنولوجي. والألعاب الإلكترونية على حساب التعليم والتعلم.
اللغة العربية في شمال وشرق سوريا:
في شمال شرق سوريا، يتداخل الوجود العربي مع الكردي والسرياني والأرمني والاشوري وغيرهم من المكونات، منذ مئات السنين, لعبت اللغة العربية دورًا محوريًا، سواء كلغة رسمية أو كأداة سياسية ولكنها في النصف قرن الأخير استُغلت من قبل حزب البعث في إطار سياساته القومية. حيث تم استغلال اللغة العربية لنشر الفكر القومي المتعصب بين مختلف مكونات شمال شرق سوريا بشكل خاص وسوريا بشكل عام. فمع استلام حزب البعث السلطة في سوريا عام 1963، اعتمد سياسة تعريب ممنهجة في مختلف المناطق، بما في ذلك شمال شرق البلاد، حيث فرضت السلطات اللغة العربية كلغة وحيدة للتعليم والإدارة، ومنعت تدريس اللغات الكردية والسريانية في المدارس الرسمية، كما حظرت المطبوعات والصحف بهذه اللغات، كل ذلك ليس حباً من قبل حزب البعث للغة العربية أنما لتحقيق مصالح سياسية واشعال الفتن فقط لا غير. وذلك أدى إلى تهميش الهويات الثقافية واللغوية الأخرى، وزاد من تعقيد العلاقة بين الدولة والمكونات غير العربية.
لكن مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تغيرت المعادلات في شمال شرق سوريا، حيث ظهرت الإدارة الذاتية بقيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأعيد إحياء اللغات المحلية إلى جانب العربية دون إقصائها بل على العكس تم مساواة جميع اللغات الموجودة في شمال شرق سوريا وجعلها لغات رسمية للمنطقة. حيث جاء في المادة السادسة والسابعة من العقد الاجتماعي في أواخر عام 2023 أن: «كل اللغات الموجودة في جغرافية شمال وشرق سوريا متساوية في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، التعليمية، الثقافية؛ ومن حق كل شعب أو تجمع ثقافي أن ينظّم حياته ويسيرّ أموره بلغته الأم.» وأن: «اللغات: العربية، الكردية، السريانية، هي لغات رسمية في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية.»
ختاماً في الحقيقة أن أجمل وأروع وأبهى شيء هي اللغة. فان مستوى رقي اللغة هو مستوى تقدم المجتمع، بمعنى آخر، المجتمع يحدد وجوده من خلال تطوير لغته وحمايتها. اليوم أصبح حماية اللغة العربية واجبا علينا جميعا. لا احتاج الى التعبير عن مشاعري وآرائي ونشرها بلغة أخرى. عندما أمتلك لغتي الأم. بالطبع، لا أقول لا تتعلم لغات أخرى أو لا تتحدث بها. يعد تعلم اللغات أمرًا قيمًا وناجحًا للغاية، فضلا عن تسهيل علاقات الحياة البشرية. لكن تعلم تلك اللغة والتحدث بها لا ينبغي أن يعتمد على نسيان لغتك. كم هو جميل أن تتحدث وتقرأ وتفكر بلغتك الام. وكما أن الإنسان لا يستطيع أن يفكر بلا عقل، فإنه لا يستطيع أن يعيش بلا لغة. وكما حمى شهدائنا هذه المنطقة بأرواحهم، يجب علينا أن نحميها أيضا بلغاتنا.