أكاديمية المجتمع الديمقراطي

العلم والدين تنافر ام تكامل

0 1٬476

    العلم والدين تنافر ام تكامل

 أن معرفة العلاقة بين الدين والعلم؟ سؤال تم طرحه كثيرًا مؤخرًا. هل هي علاقة تنافر أم تكامل؟ لذلك اعتبرنا أنه من  المهم إبداء رأينا في هذه المسألة. فهناك تناقضات كثيرة حول هذه المسألة. هناك من يرى أن العلاقة بين العلم والدين علاقة انفصال وتناقض، فما يعمل به العلم يتقاطع مع الدين، أو العكس. فالعلم عند مؤيدي هذا المذهب او الرأي موضوعه المعرفة الوضعية وكل ما هو قابل للتجربة، بينما الدين موضوعه الشعور والاعتقاد؛ فمعايير المعرفة لا تنطبق على مجال الايمان، وقواعد الشعور لا تنطبق في ميادين المعرفة. ومناصرو هذا الراي دافعوا عنه ووجدوا بأن فصل الدين والعلم تعتبر خطوة جريئة في الشرق الاوسط والساعية الى انقاذ الفكر من التخلف والجهل الذي يعاني منه ابناء هذه المناطق!!. واذا نظرنا إلى هذا التفكير ومحاولة الإجابة عليه، سنجده دخيلاً أو يراد استيراده من قبل المفكرين الذين وجدوا تقدم العلمي الحاصل في الغرب كان بسبب انفصال الجانب الديني المعنوي عن الجانب العلمي المادي. لكن لو  فكرنا من الناحية الاجتماعية سيتبين لنا، بأن ظروف التي مرت بها أوروبا  في القرون الوسطى والحديثة اثرت بلا شك على نمط تفكيرهم. ووصولهم الى هذه الدرجة من التقدم في بعض المناحي لا يعني اننا نستطيع أن نطبق نمط الادارة لديهم على مجتمعاتنا بشكل مباشر، غير ابهين بالتفاوت بين المجتمعين الغربي و الشرقي. بالعودة الى الحديث عن العلاقة بين العلم والدين، اعتقد في هذا المنحى ان العلم في علاقته بالدين لا يوجد أي تناقض بينهم، وإنما طبيعة العلاقة بينهما تتجلى في كونها علاقة تكامل، إذ أن الدين يدعو للقيم والأخلاق، وفي الوقت نفسه فالعلم لا يمثل بمختلف مجالاته إلا الأخلاق والتطور الحاصل فيه انما يقوم بخدمة البشرية جمعاء في حال عدم تأثره بالسلطة وهو كذلك يدل على الاكتشافات التي تحدث بها دين في كتبه المقدسة.

بداية الصدام بين هذين المذهبين كان في أوروبا خلال عصر سيطرة الكنيسة، وتحديداً مع اضطهاد الكنيسة لرجال العلم. وجاء رد الفعل في قرن الثامن عشر اي في عصر العقلانية او ما يعرف بـ “التنوير”، عندما وقف  الرجال العلم التجربين بحزم ضد ممارسات الكهنة باسم الدين، أي عندما كانت سيطرة الكنيسة مطلقة، وفي يدها المرجعية الدينية، اعتقدوا بأن لديهم أفكار حول جميع الأسئلة التي خطرت في ذهن الإنسان ولم يقبلوا أي تأويل مخالف لما كان لديهم، ولم تصدر جميع الآراء العلمية أو على الاقل لم يتم الاعتراف بها إلا بإذن الكنيسة، وكان ممنوعًا على الناس البحث حيث كانوا يعتبرون بان آرائهم في العلوم الطبيعية كفرًا او شركًا في الله.

ومن هنا اتفق مع الرأي الذي يقول بأن الكنيسة الأوربية كانت السبب الأول في ظهور هذا التعارض؛ بسبب محاربتها العلماء وخيرت الناس بين اتباع الدين موافق لمصالحهم أو العلم، فاختار العلماء العلم المادي بسبب الحقائق العلمية المكتشفة؛ ووجدوا بأنه هي احق من اتباع التصورات التي تمسكت بها الكنيسة ودافعت عنها. كما بدأ بعض العلماء يتصورون قوة العلم في كشف أسرار هذا الكون والتحكم فيه ، وبالتالي الاستغناء عن براهين التي قدمة من قبل رجال الدين. يؤكد هذا الامر الدكتور توفيق الطويل في كتابه “قصة النزاع بين الفلسفة والدين” حيث يرجع الخلاف بين الكنيسة والعلم إلى نقد العلماء للرجال الدين جهارة والتصريح بحق الفرد في إصدار الأحكام العقلية التي يُمليها عقله فتهجم عليهم الكنيسة. حيث يقول في كتابه تعاملت الكنيسة بعنف مع المخالفين، حيث اضطهدتهم كما فعلت مع أعضاء Academia del Chimento، الذين اتخذوا مبدأ التجريب كأساس للعلم والفلسفة، واتهمتهم الكنيسة بالهرطقة وحظرت عملهم. العالم جاليليو خير مثال على ذلك. فلم يقبل خصومه اكتشافته على أساس أنه يتعارض مع الكتاب المقدس، فقط طرأ تغيرًا وجهة نظره وثم يتبرأ منها بعد مثوله أمام محكمة التفتيش”. ثم أقام في منفاه، وما لبث ان مات في سجنه. هذا زادت هذه الممارسات من إيمان الناس بالعلم ونفرهم من آراء الكهنة، وساد الاتجاه العلمي على الساحة الأوروبية، مما جعل الكنيسة تعتذر فيما بعد عما فعلته ضد العلماء السابقين. ولو تعمقنا في اسباب الثورة الفرنسية سنجد بأن احد اسباب قيامها هو استبداد رجال الدين (الاكليروس)، فقد اعتمد النظام الاقطاعي على دعم الكنيسة ورجالها لتبرير المظالم المالية، كما دعمت النظام الملكي في استبداده وذلك للانتفاع وتقاسم الضرائب المفروضة على عامة الشعب. مما ادى إلى قيام الثورة، والتي بدورها ازالت كل ما يتعلق بنظام القديم. من بينها المؤسسة الدينية لما راو منها من مظالم طيلة فترة حكم آل بوربون. فكان من  بين اولى خطوات التي قام بها الثوار، تجريد الكنيسة من جميع صلاحياتها ومصادرة املاكها.

أن دققنا في سيرورة التاريخ سنجد بأن معظم الابتكارات العلمية تحققت من قبل المجتمعات التي تنظمها التقاليد الدينية “عن الفترة الذهبية اتحدث”، وكمثال على ذلك راهب “روجر بيكون” الذي يرُجع البعض له الفضل إضفاء الطابع الرسمي على منهج العلمي. ولو نظرنا إلى تصنيف العالم المادي عند اليونان القدماء، فقد صنف العناصر كلاسيكية (الماء والتربة والنار والهواء) على اسس فلسفية. اما العالم الإسلامي فقد اعتمد على الملاحظة العملية والتجربة لتصنيف المواد. اما لو تحدثنا عن الفلاسفة فإن شطراً كبيراً منهم حافظ على معتقداتهم الدينية رغم نبوغهم في الفلسفة، كسقراط وأفلاطون وإيمانويل كانط ولايبنتز وحتى ديكارت، ناهيك عن فلاسفة الإسلام كابن رشد وابن سينا والكندي وابن طفيل.

يؤكد العلم الحديث أنه بعد الدراسات التي أجراها العلماء في مجال الغلاف الجوي للكوكب عبر الأقمار الصناعية، اكتشفوا أن هناك جزءًا صغيرًا من الغلاف الجوي يهرب باستمرار خارج الأرض، لكننا لا نشعر به، ولكن القياسات الدقيقة تشير إلى هذا الانخفاض في حجم الغلاف الجوي. وهناك أيضًا تناقصًا وتغيرًا في حجم ومساحة القارات فكيف كانت قبل وكيف هي الان من خلال غمر المياه بسبب ذوبان الجليد القطبي. كما ان أرضنا كروية ونتيجة لدورانها حول محورها، يتناقص قطرها تدريجيًا باتجاه القطبين. قطر الأرض أكبر ما يمكن عند خط الاستواء، وكلما اتجهنا شمالًا أو جنوبًا، نلاحظ انخفاضًا مستمرًا في قطر الأرض ومحيطها. فالحقيقة العلمية تؤكد أن هناك تناقصا مستمرا في الأرض سواء في الغلاف الجوي أو في نهايات صفائح الأرض أي اطراف القارات. لم يكن هذا التناقص معروفًا في القرن السابع الميلادي، ولكن “القرآن الكريم” أشار إليه بوضوح في احدى آياته “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” الرعد: (41)

يتحدث القران بشكل واضح  عن  انشقاق القمر في سورة القمر {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} وهذه الحادثة يؤكدها العلم الحديث “ظاهرة انشقاق القمر” التي ورد ذكرها في القرآن فقد كشف علماء وكالة ناسا وجود شق في القمر يبلغ طوله عدة مئات من الكيلومترات. مثال اخر في مجال علم الفلك فالكتاب المقدس “الانجيل” يذكر كروية الارض حيث جاء سفر اشعيا 22:40 (أنه هو الجالس على كرة الارض) اثبت علم الفلك من خلال الاقمار الصناعية والتصوير الجوي في المركبات الفضائية ان الارض كروية.

معروف بان الاسلام بدأ بكلمة “اقرأ”، والقراءة لا تعني محاربة الجهل فقط، وإنما تعني التعمق في البحث واستكشاف المعرفة. ويكون ذلك من خلال جمع بين “الدين المتحرر من الخرافة مع علم يقبل جميع الاحتمالات”، وما حصل في الغرب لا يمكن تطبيقه على جميع الجماعات البشرية، فالصراع نشأ بين علماء الغرب والكنيسة الغربية، أو “قل بين الفكر العلمي الغربي والفكر الديني الكنسي”. ولو نظرنا خارج هذا الاطار أي القول بأن العلم يتقدم على الدين سوف لن نجد اجابات على الكثير من الأسئلة التي تقع خارج إطار المادة، كمصير الإنسان وما الغاية من وجوده. وغيرها الكثير من الأسئلة التي لا يستطيع العلم الإجابة عنها، ببساطة لأنها لا تخضع للتجربة. وفي المقابل لو قلنا العكس أي الدين يفوق على العلم سنجد بأن الدين لا يعطينا معادلات رياضية لتفسر مظاهر الكون المادي وبالتالي لن نصل إلى نتيجة ملموسة بل إلى بحر من الفوضى. بهذا الصدد يرى هانز شفارتز أستاذ علم اللاهوت “يجب على العلماء أن يعترفوا بأنهم أحياناً ما يستخدمون الإيمان ليتمكنوا من فهم العلاقات العميقة بين مظاهر الطبيعة التي يلاحظونها“.

اختم مقالي بقول الدكتور مصطفى محمود في كتابه رحلتي من الشك إلى الإيمان “أنت تجد في الشرق أحد اثنين تجد من يرفض العلم أي الاكتفاء بالدّين والقران وتجد من الدين واكتفاء وعبادة العلم المادي والوسائل المادية. وكلا الاثنين سبب من أسباب النكبة الحضارية في المنطقة وكلاهما لم يفهم المعنى الحقيقي للدين ولا معنى الحقيقي للعلم”. ففي البداية، كان سبب انفصال العلم عن الدين رجال الكنيسة الأوروبية الذين اعتبروا أنفسهم مصدر المعرفة الحقيقية، وفيما بعد اعترض العلماء على هذا الموقف. وفقد رجال الدين سلطتهم بسبب هذه الآراء، خاصة مع التقدم الذي حدث من الناحية العلمية وكذلك الثورات التي حدثت في تلك الفترة، أما اليوم فقد تغيرت المواقع ولكن الخطأ هو نفسه بافتراض العلماء أن لديهم الإجابات على جميع الاسئلة، ومهمتهم قيادة البشرية وترك الأفكار اللاعقلانية “التقاليد الدينية” باعتبارها فترة زمنية مظلمة من تاريخ اوروبا. فهم يزعموا أن الخطاب الديني ليس جديرًا بالثقة فقط و ليس له قيمة علمية لأنه لا يمكن إثباته أو إبطاله  بالتجربة العلمية ، لذا فهو كلام خالٍ من كل المحتوى المعرفي. وهو ما فعله رجال الدين في الماضي.

المراجع :

المقال المنشور تعبر عن رأي مؤلفه ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

أيفان شيخو

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.